وهذه الوثبة مذمومة من الوجهة الشرعية: فهي تقضي على أصول القوانين، وتوجب إلغاء المحاكم وتستريح من يرابطون من الجنود للمحافظة على مصالح الناس.
وكيف يكون الحال إذا أبيح لكل مخلوق أن يسرق وينهب ويقتل بلا رقيب ولا حسيب؟ كيف يكون الحال إذا شعر كل إنسان بأنه مهدد باغتيال ما يملك من المنافع وتعكير ما ينعم به من الأمن والعافية؟
كيف تصبح الدنيا إذا عاش اللئام والفاسقون والظالمون بلا وازع ولا رادع يوم تنهار سلطة الشرائع والقوانين؟
وكيف يرتقي العمران إذا صح في كل ذهن أن لا مجال لبقاء ما نؤسس وما ندخر من أصول المنافع المعاشية والعمرانية؟
وما فضل الإنسان على الحيوان إذا انعدمت محامد الرفق والعطف، ومذاهب الضبط والكبح، ومراجع الاحتكام إلى العقل والعدل؟
إن ذلك لو صح لعادت الدنيا إلى عهدها الأول يوم كان بنو آدم قطعانا يهيمون حول مساقط الغيث ومنابت الأعشاب، وانعدمت هذه المواسم الشعرية التي تتمثل في استخدام البخار والكهرباء، وتظهر روعتها في عيش الضعفاء آمنين بجانب الأقوياء.
والحق أن الإنسان استطاع أن يمثل دور الإله فوق الأرض بفضل ما أنشأ من شرائع وقوانين، فهو بفضل السلطة التشريعية والتنفيذية وقف الظالم والمظلوم أمام منصة العدل، واستطاع أن يمكن الضعاف والعزل من أن يبيتوا في منازل ليس فيها قفل ولا رتاج.
وبراعة الإنسان تظهر في هذا الجانب، فهو قد حول الدنيا إلى دار أمان، وليس هذا بالقليل إذا فكرنا في طبيعة بني آدم وكانوا من الحيوان الذي يؤثر الافتراس.
ولو شئت لقلت: إن القوانين صيرت الحانات أكثر أمانا من المساجد والكنائس، وما أذكر أني دخلت حانة فسرقت، ولكني أذكر أن عباءتي سرقت في مسجد السيدة زينب منذ سنين، فصرت لا أدخل مسجدا إلا صليت منفردا لأنجو من اللصوص المصلين!!
وما استطاع الإنسان أن يكون خليفة الله في الأرض إلا بفضل القوانين، وهو بالفعل يحقق أظرف الأخيلة في الأحلام الإنسانية، فمن أوهام الناس أن سيأتي يوم يعيش فيه الحمل مع الذئب، ويلعب فيه الأطفال بالحيات والثعابين.
Unknown page