Tasawwuf Wa Imam Shacrani
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
Genres
أما الإنسان الذي أسجد الله له ملائكته، ونفخ فيه من روحه، فقد وهب مع النفخة الإلهية خصائص روحية عليا هي سره الأكبر، وهي حياته المثلى، وبتلك الخصائص يدرك الإنسان أشياء فوق الحس والمشاهدة، وبتلك الخصائص ترتفع معارفه فوق معارف الحس والمشاهدة ارتفاعا يؤهله لتذوق المعارف الإلهية، وتسمو به إلى جلاء أسرار مكون الأكوان، والاطلاع على عجائب ما أبدعت القوة الإلهية من عوالم منظورة وغير منظورة.
والعلم المادي الذي تعبده أوروبا ومن يعيش في ظل حضارتها في أمريكا وآسيا قد ابتدأ نفسه يتنكر للعقل الذي ابتكره وابتدعه، قد ابتدأ يعترف بأن الكون مليء بأسرار وعلوم ليس في طاقة العقل أن يدركها؛ لأنها فوقه، فلا سبيل إليها إلا بوحي من الله، أو بإلهام من عالم الروح.
وقف العلامة «أنشتاين» عند درج صغير في أسفل مكتبه وقال: «إن نسبة ما أعلم إلى ما لا أعلم كنسبة هذا الدرج إلى مكتبتي.»
ويقول العبقري «نيوتن»: «لسنا إلا كأطفال في جزيرة على شاطئ بحر العلم، نلتقط ما يقذفه البحر من القواقع على حين أن الجواهر النفيسة في قعر البحر.»
ويقول النابغة الفرنسي «بيو»: «إننا لا نشاهد إلا ما يظهر لنا من العلم في الخارج، وقد حجب عنا ما هو أعجب وأغرب، لعمرك قل لي من ذا استطاع أن يفهم سر طيران الذباب، وسر ألاعيب الفراش؟ نعلم شيئا عن تركيبها الجسماني وقابليته، ولكنا عاجزون عن رؤية الحكمة التي أمرت بها ونظمتها. إني أمام مشهد الوجود أعتبر نفسي جاهلا.»
ويقول «كامبل فلا مريون»: «ما هو الوسيط الذي يتوسط للقوى العقلية في إنتاج نتيجة مادية؟ كيف يوصل العصب البصري صور الأشياء إلى العقل؟ كيف يدرك هذا العقل؟ أين مستقره؟ ما هي الطبيعة؟ ما هي طبيعة العمل المخي؟ لن يستطيع أكبر رأس أن يجيب على أحقر أسئلتي.»
تلك أقوال جبابرة العقول في الحضارة الغربية تبرهن أن نهاية العقل البشري هي العجز عن إدراك أسرار الكون، وأن أكبر الجهل أن ننكر ما في الكون من آيات الله وعجائب الخلق بدعوى أنها أشياء فوق العقل والتصور.
لا بد للإنسان أن يرتد صاغرا ذليلا إلى عالم الإيمان والروح، أن يرتد مؤمنا بقوة فوق عقله، وبعوالم فوق ما يدرك بالحس، وما يعرف بالمشاهدة
فلا أقسم بما تبصرون * وما لا تبصرون .
اضطررنا إلى هذه المقدمة لنبرهن على أن كل ما يتعلق بالعوالم غير المنظورة؛ كالجن والملائكة والأرواح يجب أن تخضع عقولنا حيالها إلى ما جاء به الوحي؛ لأننا بالعقل وحده نضل في فهم الروحانيات والغيبيات.
Unknown page