Tasawwuf Wa Imam Shacrani
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
Genres
وإذن فحتى خصوم المتصوفة قد سلموا بالكشف والفيض والإلهام، والمذاهب الروحية العالمية جميعها تؤمن بأن الصفاء الروحي والزهد والإعراض عن مفاتن الدنيا ومباهجها طريق للمعرفة، وطريق أيضا للخوارق والهيمنة على عناصر الطبيعة.
يقول الأستاذ العقاد في كتابه عن غاندي، شارحا لصلاة غاندي وأثرها في تكوينه، ومقامها من زعامته: «وصلاة غاندي هي أعظم شيء في بنيان عقيدته، فنحن لهذا نقترب من فهمه كلما اقتربنا من فهم صلاته؛ لأن الصلاة عنده لا تنبت عن طلب أو استغاثة أو ابتهال، ولكنها تنبعث إلى حس فوق الحس، وفوق التفكير، وفوق الطلب والابتهال، وهي عنده أعلى مراتب الوعي الذي يتاح للكائن الموجود؛ لأن الروح الإلهي - في اعتقاده - سار في جميع الموجودات ، ولا يزال الإنسان محصورا في أوهاق الجسد أو في أوهاق المادة على العموم، ما دام معتمدا على الحواس، أو على العواطف، أو على التفكير في إدراك ما حوله، ولكنه يرتقي إلى مرتبة من الوعي أعلى من مراتب التفكير عندما يدرك الروح خالصا منزها من هذه الأوهاق.»
ثم يقول نقلا عن غاندي: «إن من يختبر سحر الصلاة قد يستغني عن الطعام أياما ولا يستغني عن الصلاة لحظة واحدة؛ لأن الصلاة هي من صميم قلب الحياة الإنسانية».
وإذن فسيطرة الإنسان على جسده، وقمعه لشهواته، وتحليه بالفضائل، والتجاؤه إلى الله يتيح له فوق الإلهام وفوق المعرفة قوة خارقة يسيطر بها على الطبيعة، ويرتقي إلى حالة تقهر المادة وتصنع الخوارق.
يقول الإمام الغزالي في كتابه «تهافت الفلاسفة» مدللا على صحة الإلهام وأثره في الأرواح: «لو لم ير الإنسان المغناطيس وجذبه للحديد وقيل له ذلك لاستنكره وقال: لا يتصور عقلا جذب الحديد إلا بخيط يشد عليه ويجذب به، فإنه المشاهد في الجذب، حتى إذا شاهده تعجب منه، وعلم أن علمه قاصر عن عجائب القدرة.»
ثم يقول: «وفي خزائن القدرة عجائب وغرائب ينكرها من يظن أن لا وجود إلا لما يشاهده.»
وجاء في كتاب «الفلسفة القرآنية» للعقاد تعليقا على كلمة الغزالي: «وما يقال عن جذب المغناطيس يقال عن جذب الكواكب أو تجاذبها على هذه الأبعاد الشاسعة في السماء، فإن انتقال التأثير من الجاذب إلى المجذوب حقيقة لا ريب فيها، ولكنها لا تفسر إلا بالفروض والتخمينات، وتقدير الوسائل التي لا يثبتها العيان ولا يقع بها البرهان.
والعجيب أن أدعياء العلم والعقل يشاهدون هذا وأمثاله، ويسمعون تعليله الذي يختلف فرضا بعد فرض، وتخمينا بعد تخمين، فيسكتون ويسلمون أنه معقول ومفهوم، ولكنهم يستكثرون تأثير الروح في الأرواح، وتأثير العقل في العقول؛ لأنهم يريدون أن يلمسوا بأيديهم كيف تؤثر، وكيف تتأثر، ولا يقبلون هنا ما يقبلونه في عالم الحس والعيان.»
ثم يقول: «وأقرب الكائنات إلى الله هو الكائن الذي يعي ذاته، ويعي موجده - أي الإنسان - ويستمد منه قبسا من القدرة الإلهية.»
أجل لا حيلة لنا في هؤلاء الناس الذين يؤمنون بعجائب الظواهر الطبيعية التي تبنى على الفروض والتخمينات، ولا يريدون أن يؤمنوا بمثيلاتها في عالم الروح، بل يريدون متعنتين أن يلمسوا بأيديهم قدرة الله الخارقة، ويريدون أن يلمسوا بأيديهم كيف يلهم الله من أحب من عباده، وكيف يعلمهم من لدنه علما. لا حيلة لنا في هؤلاء وأمثالهم من المتفلسفين على جهالة، إلا أن نقول لهم كلمة شكسبير على لسان هملت: «إن السماء والأرض - يا هو راشيو - تحويان من الأسرار ما لا تحلم به فلسفتك.»
Unknown page