Tasawwuf Thawra Ruhiyya

Abu Cala Cafifi d. 1385 AH
181

Tasawwuf Thawra Ruhiyya

التصوف: الثورة الروحية في الإسلام

Genres

8

فالأولى درجة العبادة، وهي أول الطريق ومرتبة المبتدئين من المريدين، والثانية درجة ستره عن الناس بانقطاعه إلى الله وشغله به عمن سواه، وفي هذه المرتبة يغذي الله وليه بستره ولطفه، والثالثة درجة يظهر الله فيها للولي ما سبق أن قدره له من الصفات، فهي درجة تعريف الولي بولايته وإيقافه على منزلته، والرابعة درجة يذيقه الله فيها قيامه به، ويكشف له فيها أنه السامع منه إذا سمع، والمبصر منه إذا أبصر، والباطش منه إذا بطش، وهكذا. قال تعالى مخاطبا النبي عليه السلام:

وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى

وهذا هو الفناء الصوفي بعينه. (4)

ومن صفات «الولي» أن يكون محفوظا كما أن من صفات النبي أن يكون معصوما: أي محفوظا ومعصوما من مخالفة الشرع؛ لأن كل من كان للشرع عليه اعتراض فهو مغرور مخدوع كما يقول القشيري، ومعنى هذا الشرط أن كلا من النبي والولي لا يعصي الله ولا يأتي ما يتعارض مع الشرع، ولكنها يختلفان: فعدم العصيان في النبي راجع إلى العصمة وهي أمر يخلقه الله في النبي، فهو لا يعصي ربه لأن الله وهبه قوة يدرأ بها العصيان، أو وهبه مناعة من العصيان. أما الولي فهو إنسان كسائر الناس فيه المقدرة على أن يعصي وأن يطيع، ولكن الله يحفظه من المعصية بأن يبعث في قلبه نورا يهديه ويصرفه عنها. فالفرق بينهما كالفرق بين رجلين لا يمرضان بمرض معين، ولكن أحدهما لا يمرض به لمناعة طبيعية في جسمه، أما الآخر فلا يمرض به لتناوله شيئا من الدواء يحميه من المرض بحيث لو تخلى عن تعاطي هذا الدواء سقط فريسة للمرض.

والظاهر أن التفرقة بين العصمة والحفظ مسألة أثارها متأخرو الصوفية، وأن الأصل كان العصمة لكل من النبي والولي، للنبي أولا، وللولي بالوراثة الروحية، وهذا بالفعل ما كان عليه الأمر في أوساط الشيعة، فقد أسندوا ذلك الاختصاص النبوي إلى علي أولا ثم إلى الأئمة من بعده، وعن طريق الشيعة دخلت الفكرة إلى الأوساط الصوفية، ثو توسع فيها المتأخرون على النحو الذي أشرنا إليه.

والله لا يحفظ الولي من المعصية وحدها، بل من كل ما يكون للشرع عليه اعتراض، وبذلك يدخل في الأشياء التي يحفظ الله الولي منها كل مخالفة لآداب الشرع وإن لم تكن معصية. قيل: قصد أبو يزيد البسطامي بعض من وصفوا بالولاية، فلما وافى مسجده قعد ينتظر قدومه، فخرج الرجل وتنخم في المسجد، فانصرف أبو يزيد ولم يسلم عليه، وقال: «هذا رجل غير مأمون على أدب من آداب الشريعة، فكيف يكون أمينا على أسرار الحق؟»

9

ويرى بعض الصوفية أن الحفظ بالنسبة إلى الولي غير واجب وجوب العصمة للنبي، بل يكفي في حفظ الولي ألا يصر على الذنوب إن وقعت منه هنات أو زلات، ووقوع مثل هذه الزلات غير ممتنع على الولي في نظر هؤلاء. قيل للجنيد: ألعارف يزني يا أبا القاسم؟ فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال:

وكان أمر الله قدرا مقدورا .

Unknown page