Tasawwuf Thawra Ruhiyya
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
Genres
أما عن الأصل اللغوي لكلمة «الصوفي» فقد تضاربت فيه الأقوال قديما وحديثا، وذهب فيه المؤلفون كل مذهب ممكن: وذكروا أن الكلمة مشتقة من الأصل «ص و ف» أو «ص ف و» أو «ص ف ف»، فنسبوها إلى الصوف وإلى الصفاء وإلى الصف، وإلى الصفة (صفة مسجد الرسول بالمدينة)، وإلى الصفة، وإلى رجل اسمه «صوفة»، وإلى صوفة القفا، وإلى الصوفانة وهي نبتة تنبت في الصحراء، وإلى الكلمة اليونانية «سوفيا».
يقول أبو نصر السراج الطوسي المتوفى سنة 378 وهو صاحب كتاب «اللمع» أقدم كتاب عربي في التصوف: «إذا سأل سائل فقال: قد نسبت أصحاب الحديث إلى الحديث، ونسبت الفقهاء إلى الفقه، فلم قلت الصوفية ولم تنسبهم إلى حال ولا إلى علم، ولم تضف إليهم حالا كما أضفت الزهد إلى الزهاد والتوكل إلى المتوكلين والصبر إلى الصابرين؟ فيقال له: لأن الصوفية لم ينفردوا بنوع من العلم دون نوع، ولم يترسموا برسم من الأحوال والمقامات دون رسم؛ وذلك لأنهم معدن جميع العلوم ومحل جميع الأحوال المحمودة والأخلاق الشريفة سالفا ومستأنفا، وهم مع الله في الانتقال من حال إلى حال، مستجلبين للزيادة. فلما كانوا في الحقيقة كذلك، لم يكونوا مستحقين اسما دون اسم. فلأجل ذلك ما أضفت إليهم حالا دون حال، ولا أضفتهم إلى علم دون علم لأني لو أضفت إليهم في كل وقت حالا ما وجدت الأغلب عليهم من الأحوال والأخلاق والعلوم والأعمال وسميتهم بذلك، ولكان يلزم أن أسميهم في كل وقت باسم آخر، وكنت أضيف إليهم في كل وقت حالا دون حال على حسب ما يكون الأغلب عليهم. فلما لم يكن ذلك، نسبتهم إلى ظاهر اللبسة؛ لأن لبسة الصوف دأب الأنبياء عليهم السلام، وشعار الأولياء والأصفياء، ويكثر في ذلك الروايات والأخبار. فلما أضفتهم إلى ظاهر اللبسة كان ذلك اسما مجملا عاما مخبرا عن جميع العلوم والأعمال والأخلاق الشريفة المحمودة، ألا ترى أن الله تعالى ذكر طائفة من خواص أصحاب عيسى عليه السلام فنسبهم إلى ظاهرة اللبسة فقال عز وجل:
إذ قال الحواريون ، وكانوا يلبسون البياض، فنسبهم إلى ذلك ولم ينسبهم إلى نوع من العلوم والأعمال والأحوال التي كانوا بها مترسمين. فكذلك الصوفية عندي، والله أعلم، نسبوا إلى ظاهر اللباس ولم ينسبوا إلى نوع من أنواع العلوم الأخرى والأحوال التي هم بها مترسمون؛ لأن لبس الصوف كان دأب الأنبياء عليهم السلام والصديقين وشعار المتنسكين.»
2
فالصوفية في نظر السراج إنما سموا صوفية نسبة إلى اللباس الذي اتخذوا منه شعارا ورمزا، وهو لباس الصوف، ولم ينسبوا إلى علم من العلوم كالفقه والحديث والتفسير، ولا إلى حال من الأحوال كالحزن أو القبض أو البسط؛ وذلك لأنهم ليس لهم علم خاص ينتسبون إليه، ولا حال خاصة يقيمون عليها، بل هم في ترق مستمر في الأحوال، وليست حال من أحوالهم بأولى من حال أخرى. أما أنهم نسبوا أنفسهم إلى ذلك الشعار الصوفي، فذلك لأنه كان دائما دأب الأنبياء والصالحين كما تدل على ذلك الأخبار والروايات، فقد أثر عن عيسى عليه السلام أنه كان يلبس الصوف تعبدا، وأن النبي
صلى الله عليه وسلم
لبس الصوف تواضعا وبعدا عن الرياء وزهدا في الدنيا، ورد في مرثية عمر بن الخطاب لرسول الله قوله: «ولبست الصوف وركبت الحمار وأردفت خلفك»،
3
وقد ورد في الحلية لأبي نعيم أن النبي
صلى الله عليه وسلم
Unknown page