46

Ṭarīq al-wuṣūl ilā al-ʿilm al-maʾmūl bi-maʿrifat al-qawāʿid wa-l-ḍawābiṭ wa-l-uṣūl

طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول

Publisher

دار البصيرة

Edition

الأولى

Publisher Location

الإسكندرية

فيه، فوجدت ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة شُبهات فاسدة يُعلم بالعقل بطلانها، بل يعلم بالعقل ثبوت نقيضها الموافق للشرع.

وهذا تأملته في مسائل الأصول الكبار، كمسائل التوحيد والصفات، ومسائل القدر والنبوات والمعاد وغير ذلك، ووجدت ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه سمع قط، بل السمع الذي يقال إنه يخالفه: إما حديث موضوع، أو دلالة ضعيفة، فلا يصلح أن يكون دليلاً لو تجرَّد عن معارضة العقل الصريح، فكيف إذا خالفه صريح المعقول: ونحن نعلم أن الرسل لا يخبرون بمُحالات العقول، بل بمحارات العقول، فلا يخبرون بما يعلم العقل انتفاءه، بل يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته. والكلام على هذا الأصل - على وجه التفصيل - مذكور في موضعه، فإن أدلة النفاة للصفات والقدَر ونحو ذلك، إذا تدبرها العاقل الفاضل وأعطاها حقَّها من النظر العقلي، علم بالعقل فسادها، وثُبُوت نقيضها.

١٧٤ - ولا يعلم عن النبي ﷺ حديث صحيح أجمع المسلمون على نقيضه، فضلاً عن أن يكون نقيضه معلوماً بالعقل الصريح البَيِّن لعامة العقلاء، فإن ما يعلم بالعقل الصريح البَيِّن، أظهر مما لا يعلم إلا بالإجماع ونحوه من الأدلة السمعية. فإذا لم يوجد في الأحاديث الصحيحة ما يعلم نقيضه بالأدلة الخفيَّة، كالإجماع ونحوه، (فَأَلاً) يكون فيها ما يعلم نقيضه بالعقل الصريح الظاهر، أولى وأحرى.

ولكن عامة موارد التعارض هي من الأمور الخفية المشتبهة التي يحار فيها كثير من العقلاء، كمسائل أسماء الله وصفاته وأفعاله، وما بعد الموت من الثواب والعقاب والجنة والنار، والعرش والكرسي، وعامة ذلك من أنباء الغَيْب التي تقصرُ عقول أكثر العقلاء عن تحقيق معرفتها بمجرد رأيهم. ولهذا كان عامة الخائضين فيها بمجرد رأيهم: إما متنازعين مختلفين، وإما حيارى مُتْهَوِّكين. وغالبهم يرى أن إمامه أحذق منه في ذلك، ولهذا تجدهم - عند التحقيق - مقلِّدين لأئمتهم فيما يقولون من العقليات المعلومة بصريح العقل.

46