اقشعر من التقزز. هو الشحاذ دون غيره. حتى في هذه الساعة من الفجر يسعى. وواصل سيره وصوت الرجل يلاحقه: حسنة لله تنور طريقك.
واستقل تاكسي وهو يتنهد. سوف ينتظره المخبر طويلا، وستعمى عيناه من التحديق هنا وهناك. وغادر التاكسي في شارع الساحل على بعد قريب من البيت المكون من دور واحد، والظلام ينزع آخر غلالة قبل الشروق. طرق الباب لا يدري عما سيفتح، ولكنه سلم نفسه للمقادر. انفتحت الشراعة عن وجه كريمة! وبسرعة واضطراب فتحت فدخل.
في قميص النوم، مشعثة الشعر، خاملة المفاتن، همست: جننت؟
ومالت إلى حجرة على يمين الداخل معدة للاستقبال. وقفا وجها لوجه تحت ضوء مصباح عار: تصرف مخرب! جننت؟
وهو يثقبها بعينيه اللتين لم يغمضا: ربما. - ألم تفكر في خطورة الزيارة؟ - هي أهون من الانتظار بلا أمل. - الانتظار ضرورة، ألا تدرك أن حالي أدق من حالك؟ - وأظل أنتظر حتى الموت؟ - حتى يصبح الاتصال مأمونا. - عندك التليفون. - صوتي يعرفه عم محمد. - أي صبي بقال كان يمكن أن ينوب عنك في طلبي. - حققوا معي أكثر من مرة، ركبني الخوف ولم يعد في رأسي عقل! - أنت تدبرين جرائم القتل في أثناء المضاجعة. - لا ترفع صوتك فأمي نائمة! - أليست شريكة لك في أسرارك؟ - مجنون! .. حالتك غريبة! - يجب أن أرى حجرة نومك. - حجرة كبقية حجرات البيت. - لا تراوغي، يجب أن أرى من ينام فيها!
اتسعت عيناها وهي تقول: ماذا جرى لعقلك؟ - ابن خالتك، زوجك السابق، أليس هنالك؟ - من قال ذلك؟ لا أحد هنالك، ها هو الخراب يجيء بيدنا لا بيد الآخرين. - ليكن، لا بد أن أرى بعيني.
أزاحها من أمامه وغادر الحجرة. فتح أول باب فرأى العجوز مستغرقة في النوم. وفتح بابا آخر فرأى حجرة نوم. حجرة نومها على الأرجح، وفراشا ينفتح غطاؤه عن الثغرة التي انزلقت منها. ودار بالحجرات والمرافق فلم يجد أثرا لأحد. رجعا إلى موقفهما بحجرة الاستقبال وهو يقول بحنق: شتت عقلي، فالرجل يجب أن يتجنبك في فترة التحقيق. - قلبي يحدثني بأن مخلوقا لئيما أوقع بيننا. - ألم يكن ابن خالتك زوجا لك؟ - كان. - وباعك للزوج الذي دبرت قتله؟ - سيقبض علينا اليوم يا مجنون. - أجيبيني! - أنت غبي، جازفت بحياتي لأني أحبك. - في هذا الماخور كان يجيء للنوم معك! - ألا تفرق بين الصدق والكذب؟ أنسيت ما كان بيننا؟ - أي امرأة لا تعجز عن إتقان التمثيل فوق الفراش. - صدقني لصالحنا، كل ما في رأسك أكاذيب. - تظنين أن خوفي من المشنقة سيضطرني إلى تركك للرجل. - لا رجل في حياتي غيرك، صدقني، إن لم تصدقني في الحال سيأخذوننا قبل شروق الشمس. - كذابة، ماكرة، حطمت حياتي كلها بكذبة قصيرة. - صدقني، أنا أحبك، لم أدبر شيئا إلا من أجلك، صدقني. - حطمت حياتي بكذبة لتفوزي أنت وعشيقك بالثروة والحياة. - صدقني قبل فوات الأوان، أنت حبيبي، ولا أحد غيرك، خرج الرجل من حياتي من زمان. - دبرت قسمة جهنمية، فلي الجريمة ولك الرجل والثروة. - لا فائدة، انتهينا، اللعنة، رأسك كالحجر، كلمة أخيرة ألا تريد أن تصدقني؟ - كلا! - إذن ماذا تريد؟ - أن أقتلك! - ثم تشنق؟ - في ألف داهية.
ودوى طرق على الباب كالقنابل، وطوقت البيت أصوات مهددة وأقدام ثقيلة. صرخت كريمة بيأس: جاء البوليس، ألم أقل لك؟
انقض عليها كالمجنون، وقبض على عنقها بيدين عصبيتين ثم ضغط بكل قواه، على حين اهتز الجو من زلزلة دفع الباب ...
17
Unknown page