ثم سألت بصوت ينم على الحياء: ألا تفكر في زيارتنا؟
فقال بحزم: كلا، مراعاة لصالحك قبل كل شيء.
ترى أتبكي أم تغالب البكاء. - قلت لك لا يهمني! - ولكنه يهمني جدا!
انقطع الاتصال بعد ذاك. تألم من جديد حتى حنق عليها من شدة تألمه. ما قيمة الجمال في هذا العالم الدامي؟ ألا تريد عيناها أن تريا إلا هذا الجمال الملعون؟ وقبل أن يغادر موقفه رأى عم محمد الساوي يتطلع إليه بابتسام، فابتسم إليه متوددا فدعاه إلى الجلوس. قبل الدعوة بامتنان خفي. وسأله العجوز: مستعجل؟ - أبدا، لا غاية لي وراء الذهاب.
فقال بارتياح: إذن فاجلس قليلا، الحق أني أشعر بوحشة منذ موت المرحوم. ولا أجد من أحادثه. - وأبناؤك؟ - لا أحد منهم في القاهرة. - كان الله في عونك.
لم يبق في الاستراحة سوى رجلين، وفي الخارج غطت أصوات العمال والعربات على مديح الشحاذ. - أليس هنالك من جديد؟ - لي صديق من المخبرين ولعله يدعي من العلم ما ليس له. - ماذا قال؟ - علي سريقوس، لم يجدوا أحدا غيره. - لعله اعترف. - لا أدري. - أغرته سرقة حقيرة. - لقد أنكر السرقة. - ألم يعترف بها من قبل؟ - بلى، ثم عاد فأنكرها. - ولكن النقود ضبطت عنده. - قال إن الزوجة جادت بها عليه.
خفق قلبه خفقة مؤلمة جدا: زوجة المرحوم؟ - نعم. - ولكن، لماذا؟ - على سبيل الإحسان. - وهل كانت تحسن إلى الخدم الآخرين؟ - سئل في ذلك جميع الخدم ولكن ثبت أنه كان الوحيد.
وهو يزدرد ريقه: هذا غريب. - الأغرب من ذلك أنه رجع فاعترف بالسرقة. - والإحسان المزعوم؟ - قال إنها كانت تجود عليه ببعض النفحات عندما يؤدي لها خدمات في شقتها، ثم عرف من وراء ظهرها مكان النقود فسولت له نفسه السرقة. - وذهب ليسرق فقتل! - أظن هذا. - ورأي المحقق؟ - من يدري؟ ولكنهم مقتنعون فيما يبدو بأنه القاتل. - وربما يكون قد اعترف. - ربما. - لا شك أن الزوجة كانت تهبه قروشا. - ربما. - ولكن لماذا أنكر السرقة، ثم عاد فاعترف بها؟ - من يدري ؟ - هل للمسألة وجه آخر؟ - آه .. من يقطع بذلك؟
اكتشف لأول مرة - وهو ينظر من قريب في وجه العجوز - أن لون عينيه أخضر باهت، وكلما أمعن فيه النظر خيل إليه أنه يرى صورة جديدة لدرجة أنه تعذر عليه استحضار الأولى. - أتظن أن للمسألة وجها آخر؟ - من أين لي أن أعلم؟
آه .. هكذا سيشعر البشر وهم يقتربون من الجحيم في الآخرة. - أنت تعلم الكثير ولا تقول إلا القليل. - أخشى أن يكون العكس هو الصحيح. - ألم يسألوا الزوجة من جديد؟ - استدعوها للتحقيق أكثر من مرة. - ألم يكن لأقوال سريقوس دخل في ذلك؟ - بلى. - أتثق بالمخبر كل الثقة؟ - لكنها هي التي قالت لي بنفسها. - الزوجة! - نعم، جاءت مساء أمس!
Unknown page