Tarikh Umma Casr Rashidun
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
Genres
وحان موعد الحج وعثمان محصور، والمدينة في بلاء، فطلب عثمان من عبد الله بن العباس أن يحج بالناس، وكتب معه كتابا أبان للناس فيه ظلم الثوار إياه وبهتانهم عليه، وأنه إن كان قد أخطأ في أمر فإنه يتوب منه، والله يقبل التوبة من عباده، ويعتذر عما بدر من عماله، ويعد الناس بحسن السيرة والعدل وأنه لن يخلع نفسه، ولما قرأ ابن عباس كتاب عثمان يوم التروية وأراد نفر من المسلمين نصرته منعهم الثوار، وخافوا إن طال الأمد أن تأتي الأمداد من الأقاليم إلى عثمان، فقصدوا الدخول عليه واغتياله، ولكن أبناء الصحابة وقفوا دونهم، واستطاع الثوار أن يحرقوا باب الدار، ودخلوا على عثمان فوجدوه يقرأ القرآن، فأحاطوا به وطلبوا إليه أن يخلع نفسه، فأبى، فقتلوه، وكان ذلك في ثاني عشر ذي الحجة من سنة 35ه، وكان له من العمر 82 عاما، وكان القاتل له رومان بن سرحان، ضربه بحديدة على رأسه، وجاء آخر ليضربه بسيفه فأكبت عليه زوجته السيدة نائلة بنت الفرافصة لتدافع عنه فقطع إصبعها، ثم قطعوا عنقه، وانتهبوا بيت المال، وكان مقتله يوم الأربعاء بعد العصر، فلم يدفن إلا يوم السبت وظل مطروحا يومه إلى الليل، فحمله بعض الرجال ليدفنوه يومه فتعرض لهم الثوار ومنعوهم، فدفنوه ليلا، وصلى عليه جبير بن مطعم وأخفي قبره.
هذه هي فصول مأساة الفتنة العظمى، ويظهر أن سكان المدينة قد تواكلوا عن نصرة الخليفة والدفاع عنه؛ لأنه من المستبعد جدا ألا يستطيع أهل المدينة كلها وفيهم الأبطال والفضلاء وكبار الصحابة وأصحاب الرأي أن يقفوا أمام تلك الشرذمة من الثوار، ولكن تهاون الخليفة وتسليمه الأمر إلى نفر لا يهمهم إلا مصالحهم الخاصة، وانصراف جماعة كبار الصحابة عن حل هذه المشكلة التي وقع بها الخليفة قد أدى إلى وقوع هذه الكارثة الكبرى التي مزقت الإسلام شر ممزق، واستمر جرحها العميق في قلب الإسلام إلى مدى بعيد. (4) تفصيل الأسباب التي تذرع بها الثوار في قيامهم في الفتنة
نقم الناس على عثمان في أمور تقدم إجمال بعضها، ونحب ها هنا أن نفصل تلك الأمور بذكر النقاط التالية:
الأول:
أول ما نقم الناس على عثمان أنه عزل جماعة من الصحابة من أعمالهم التي ولاهم إياها عمر، وولى مكانهم أناسا مطعونا فيهم، فمن ذلك أنه عزل أبا موسى الأشعري عن البصرة، وتوليته إياها لعبد الله بن عمر، وعزله عمرو بن العاص عن مصر وتوليتها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وكان قد ارتد زمن النبي ولحق بالمشركين، فأهدر النبي دمه بعد الفتح إلى أن أخذ عثمان له الأمان ثم أسلم، وعزله عمار بن ياسر عن الكوفة، وعزله عبد الله بن مسعود عن الكوفة.
والثاني:
زعموا أنه أسرف في إنفاق بيت أموال المسلمين في أمور منها أن الحكم بن العاص لما رده من الطائف إلى المدينة - وقد كان طرده النبي
صلى الله عليه وسلم
إلى الطائف - أعطاه من بيت المال مائة ألف درهم، وجعل لابنه الحارث سوق المدينة يأخذ منها عشور ما يباع فيها، ومنها أنه وهب لمروان بن محمد خمس إفريقية، ومنها أنه أعطى عبد الله بن خالد بن أسد أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم ، ومنها ما حكاه أبو موسى الأشعري، قال: كنت إذا أتيت عمر بالمال والحلية من الذهب والفضة لم يلبث أن يقسمه بين المسلمين حتى لا يبقي منه شيئا، فلما ولي عثمان أتيت به، فكان يبعث به إلى نسائه وبناته، فلما رأيت ذلك أرسلت دمعي وبكيت.
والثالث:
Unknown page