Tarikh Umma Casr Ittisaq
عصر الاتساق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الرابع)
Genres
4
ومما كتب إليهم قوله: «من حسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين، أما بعد، فإن هانئا وسعيدا قدما علي بكتبكم، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم، وقد فهمت كل الذي قصصتم وذكرتم ومقالة جلكم: إنه ليس علينا إمام، فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الهدى والحق. وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي، وثقتي من أهل بيتي وأمرته أن يكتب إلي بحالكم وأمركم ورأيكم، فإن كتب إلي أنه قد أجمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت علي به رسلكم وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله؛ فلعمري، ما الإمام إلا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه على ذات الله، والسلام.» ثم تتابعت رسل الكوفيين إلى الحسين، يدعونه إلى القدوم عليهم، فوجه إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وقال له: اذهب إليهم فانظر ما كتبوا به، فإن كان حقا خرجنا إليهم. فلما أتاهم بايعه منهم اثنا عشر ألفا، وكتب مسلم بذلك إلى الحسين وطلب إليه الحضور، وبلغت هذه الأخبار يزيد، فاستضعف أميره على الكوفة النعمان بن بشير وعزله، وولاها عبيد الله بن زياد بالإضافة إلى البصرة، فقدمها فورا ومسلم بن عقيل فيها، فلما نزل القصر دعا مولى له فأعطاه ثلاثة آلاف، وقال له: اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايع الكوفيون للحسين عنده، فأعلمه أنك رجل من أهل حمص جئت لهذا الأمر، وهذا مال تدفعه إليه ليتقوى به، فذهب المولى ولم يزل يتلطف حتى دل على شيخ من الكوفيين يلي البيعة، اسمه هانئ بن عمر فأخبر خبره، فقال له هانئ: لقد سرني لقاؤك إياي وساءني؛ فأما ما سرني فما هداك الله له، وأما ما ساءني فإن أمرنا لم يستحكم بعد. ثم بايعه ورجع إلى عبيد الله وأخبره بالخبر، ثم إن عبيد الله علم أن مسلم بن عقيل هو في بيت هانئ بن عمر، فاستدعاه وسأله عن مسلم فأنكره، فنادى عبد الله مولاه فخرج إليه فصعق هانئ، وعلم مسلم بما جرى، فجمع جمعا من الكوفيين يقرب من أربعة آلاف، وسار بهم للقاء عبيد الله، فأخذوا يتسللون في الطريق حتى إذا بلغوا الإمارة، لم يكن عددهم أكثر من خمسمائة، فلما جاء الظلام وجد مسلم أنه أمسى وحده فالتجأ إلى دار في المدينة، ولما علم عبيد الله بملجئه بعث إليه فقبض عليه، ثم أمر به أن يصعد إلى أعلى قصر الإمارة، فضربت عنقه وألقيت جثته إلى الناس، ثم أمر بهانئ فسحب إلى الكناسة فصلب هناك.
أما الحسين فإنه أخذ يهيئ نفسه للمسير إلى العراق، ولكن جماعة من القرشيين حاولوا أن يثنوا عزمه مثل عمر بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي وعبد الله بن عباس، أما ابن الزبير فكان يحرضه على المسير، ليخلو له الجو؛ فقد روى الطبري عن أبي مخنف، قال: إن حسينا لما أجمع المسير إلى الكوفة أتاه عبد الله بن عباس، فقال: يا ابن عم، إنك قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق، فبين لي ما أنت صانع؟ قال: إني أجمعت المسير في أحد يومي هذين إن شاء الله، فقال ابن عباس: فإني أعيذك بالله من ذلك. أخبرني - رحمك الله - أتسير إلى قوم قد قتلوا أميرهم، وضبطوا بلادهم ونفوا عدوهم، فإن كانوا قد فعلوا ذلك فسر إليهم، وإن كانوا إنما دعوك إليهم وأميرهم عليهم قاهر، وعماله تجبي بلادهم، فإنهم إنما دعوك إلى الحرب والقتال، ولا آمن أن يغروك ويكذبوك ويخالفوك ويخذلوك، وأن يستنفروا إليك فيكونوا أشد عليك، فقال له الحسين: إني أستخير الله وأنظر ما يكون. قال: فخرج ابن عباس وأتاه ابن الزبير، فحدثه ساعة ثم قال: ما أدري ما تركنا هؤلاء القوم وكفنا عنهم، وعن أبناء المهاجرين وولاة الأمر دونهم؟! خبرني ما تريد أن تصنع؟ فقال الحسين: والله لقد حدثت نفسي بإتيان الكوفة، ولقد كتب إلي شيعتي بها وأشراف أهلها، وأستخير الله. فقال ابن الزبير: أما والله لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها. ثم إن ابن عباس أتاه ثانية، فقال له: يا ابن عم، إني أتصبر ولا أصبر. إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال. إن أهل العراق قوم غدر فلا تقربنهم، أقم بهذا البلد فإنك سيد أهل الحجاز، فإن كان أهل العراق يريدونك - كما زعموا - فاكتب إليهم، فلينفوا عدوهم ثم اقدم عليهم، فإن أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن، فإن بها حصونا وشعابا، وهي أرض عريضة طويلة، ولأبيك بها شيعة، وأنت عن الناس في عزلة، فتكتب إلى الناس وترسل وتبعث دعاتك، فإني أرجو أن يأتيك الذي تحب في عافية، فقال الحسين: يا ابن عم، والله أعلم أنك ناصح مشفق، ولكني قد أزمعت وأجمعت على المسير.
قال ابن عباس: فلا تسر بنسائك وصبيتك؛ فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون. ثم قال ابن عباس: والله إنك أقررت عين ابن الزبير، بتخليتك إياه والحجاز والخروج منها.
5
وبينا كان الحسين يهيئ نفسه للخروج، إذ قدم الفرزدق حاجا فرآه الحسين، وسأله عن العراق وأهله، فقال له: القلوب معك والسيوف مع بني أمية والقضاء بيد الله.
6
ولكن الحسين لم يلتفت إلى ذلك كله، بل سار بأهله وولده ورهط من شيعته لم يتجاوزوا الثمانين رجلا، فلما دنا الكوفة وعلم بمقتل مسلم بن عقيل، وخذلان أهلها له قابله الحر بن يزيد التميمي، وقال له: «ارجع فإني لم أدع لك خلفي خيرا أرجوه.» فداخل الحسين الشك وعزم على الرجوع، ولكن إخوة مسلم بن عقيل أبوا أن يرجعوا وصمموا على الأخذ بثأر أخيهم، فنزل الحسين عند رأيهم وسار حتى لقيته خيل عبيد الله بن زياد، فعدل إلى كربلاء وخيم هناك، وكان أصحابه خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل، وبعث إليه عبيد الله بن زياد عمر بن سعد بن أبي وقاص، فلما أتاه قال له الحسين: آخذ واحدة من ثلاث: إما أن تدعوني فأنصرف من حيث أتيت، وإما أن تدعوني فأذهب إلى يزيد، وإما أن تدعوني فألحق بالثغور. فقبل عمر ذلك، وأبى عبيد الله إلا القتال، ونشبت المعركة بين الطرفين في الطف من أرض كربلاء في العاشر من المحرم سنة 61ه، فقتل أصحاب الحسين جميعا، وفيهم بضعة عشر شابا من أهل بيته، ثم هجم عليه المذحج فقتله، وحز رأسه سنان بن أنس النخعي.
7
وانطلق به إلى عبيد الله وهو يقول:
Unknown page