Tarikh Umma Casr Ittisaq
عصر الاتساق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الرابع)
Genres
عقد له أبوه وله إحدى عشرة سنة، فلم يمت يزيد حتى بلغ ابنه الخامسة عشرة، فندم على استخلافه أخاه هشاما بعده، وكان إذا نظر إلى ولده الوليد قال: الله بيني وبين من جعل هشاما بني وبنيك، فتوفي يزيد بن عبد الملك وابنه الوليد وهو ابن خمس عشرة، وولي هشام وهو للوليد مكرم معظم مقرب، فلم يزل كذلك حتى ظهر من الوليد ما ظهر من الفسق والمجون، ولم ينفع نصح عمه، عزم على خلعه والبيعة لابنه مسلمة بن هشام، وأراده على أن يخلعها عنه، ويبايع لمسلمة فأبى، فقال له: اجعلها له من بعدك، فأبى، فتنكر له هشام وأضر به، وعمل سرا في البيعة لابنه فأجابه قوم، وكان ممن أجابه خالاه محمد وإبراهيم ابنا هشام بن إسماعيل المخزومي، وبنو القعقاع بن خليد العبسي، وغيرهم من خاصته، ولكنه لم يفلح، فبقي الوليد ولي العهد، ولما مات هشام استخلف الوليد، فاستمر في لهوه ومجونه وانتهاكه حرمات الله، فاتفقوا مع أعيان رعيته، وأخذوا يهاجمونه، ويفسدون سمعته بين الناس، ففسدت البلاد، واضطربت أحوالها في عهده؛ لأنه كان مهملا قليل العناية بأطراف البلاد. قال صاحب الفخري: فلما أفضت إليه لم يزدد إلا انهماكا في اللذات واستهتارا بالمعاصي، وضم إلى ذلك ما ارتكبه من إغضاب أكابر أهله، والإساءة إليهم وتنفيرهم، فاجتمعوا عليه مع أعيان رعيته، وهجموا عليه وقتلوه، وكان المتولي لذلك يزيد بن الوليد بن عبد الملك في سنة 126.
1
وقد انقسم الناس في عهده قسمين: قسم معه وهم المضرية، وقسم عليه وهم أهله واليمانية، وكان على رأسهم يزيد بن الوليد، وأثخنت اليمانية القتل في المضرية فانهزمت مضر، واحتلوا دمشق، وطردوا رجال الوليد، وتحصن هو بقصره، فبايع الناس يزيد طوعا أو كرها وخلعوه، فلبث في قصره مخلوعا أياما، ثم دخلوا عليه وقتلوه.
2 (3) أعماله
لم يقم الوليد في عهده الذي جاوز السنة قليلا بعمل ذي بال، سوى إيجاده الفتنة بين يمن وقيس كما رأينا، كما أوقع الفتن بين يوسف بن عمر، ونصر بن سيار؛ وسبب ذلك أنه ولى نصر بن سيار خراسان كلها، ثم وفد عليه يوسف، فاشترى منه نصرا وعماله، فرد إليه الوليد خراسان، وكتب يوسف إلى نصر يأمره بالقدوم عليه، فلم يمض إليه نصر، ووقعت الفتنة بين الاثنين، ولم يهدئها إلا وصول الخبر بقتل الوليد. (4) موته ومناقبه
في جمادى الآخرة لليلتين بقيتا منها سنة 126، قتل الوليد بعد أن لبث في قصره محصورا أياما، وكانت مدة خلافته سنة وشهرين وأياما، وكان عمره اثنتين وأربعين سنة.
نقم الناس عليه لمجونه وفسقه، فحاصروه في قصره، فقال لهم: ألم أزد في أعطياتكم؟ ألم أرفع المؤن عنكم؟ ألم أعط فقراءكم؟ ألم أخدم زمناكم؟ فقالوا: ما ننقم عليك في أنفسنا إنما ننقم عليك في انتهاك ما حرم الله وشرب الخمر ونكاح أمهات أولاد أبيك، واستخفافك بأمر الله.
فقال لهم: لقد أكثرتم وأغدقتم، وإن فيما أحل الله سعة عما ذكرتم، ورجع إلى الدار، وأخذ مصحفا يقرأ فيه، وقال يوم كيوم عثمان. وصعدوا على الحائط وقتلوه، واحتزوا رأسه وسيروه إلى يزيد، فطيف به في دمشق، ثم نصب على رمح، ثم دفعه إلى أخيه سليمان.
وكان الوليد شاعرا مجيدا في الخمر والعتاب، سطا الشعراء على معانيه في هذه الأبواب، كأبي نواس ومسلم بن الوليد وغيرهما من فحول هذه الصناعة.
وكانت له جولات في الغزل تدل على سمو خياله ورقة عاطفته، ويظهر أن الناس قد تزيدوا كثيرا من أخباره، ونسبوا إليه كثيرا مما لم يقله أو لم يفعله. قال شبيب بن شيبة: كنا جلوسا عند المهدي، فذكروا الوليد، فقال المهدي: كان زنديقا.
Unknown page