Tarikh Umma Casr Inhidar
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
Genres
ولم يدخلوا إقليم «إربل» وما إليه فكان إقليما مستقلا، وجعلوا له إدارة مستقلة خاصة.
وكانوا يسمون لكل عمالة «صدرا» أو «ملكا» من أهل البلاد يعهدون إليه بالرئاسة العليا في العمالة وإدارة شئونها، ومن تحته نفر من المغول هم: النائب والناظر وعدد من المعاونين والموظفين الكبار والصغار بحسب الحاجة وسعة الإقليم وصغره.
وكان في كل عمالة قاض ومحتسب وصاحب شرطة وصاحب أوقاف، أما بغداد: فكان فيها قاضي القضاة ومقره في الجانب الشرقي، أما الجانب الغربي من العاصمة: ففيه قاض تابع لقاضي القضاة، وهذا ترتيب عباسي أبقوه، وكانوا يخلعون على قاضي القضاة أكسية وخلعا عقب توليته منصبه، كما كانوا يجعلون للأشراف العلويين الطالبيين نقابة، ويولون نقابتها إلى أكبر آل علي، وهذا أيضا ترتيب من التراتيب العباسية.
وقد استمرت هذه العمالات والوظائف الكبيرة بيد صدور عراقيين في عهد الوزير ابن العلقمي (؟-656ه) وكان عهده جد قصير، فلما هلك وأسندت الوزارة إلى علاء الدين الجوني الفارسي انقطعت هذه الوظيفة وأكثر الوظائف الكبيرة عن العراقيين وصارت للمغول أو لمن هم في حكمهم من صنائعهم ومماليكهم من الإيرانيين والتركمان الذين كانوا يعملون بإخلاص على توطيد الملك للمغول وشد أزره، وكان أكثرهم من القساة الغلاظ الجفاة الذين أذاقوا البلاد ويلات شدادا وهدموا معالم الحضارة فيها، وأحلوا الأنظمة المغولية والطقوس الأعجمية محل الأنظمة العربية والطقوس والتقاليد والتراتيب العربية.
ولم يقتصر عمل الدولة المحتلة على محو التراث العربي القديم وتراتيبه الإدارية، بل حاولت إفقار الناس حينما فرضت عليهم أن يتعاملوا بعملة من المعادن الرخيصة بدل العملة الفضية والذهبية التي أخذت الحكومة المغولية تجمعها وتبدلها بالعملة الرخيصة الجديدة التي ضربتها، وقد كانت هذه الفعلة تتكرر كل خمس سنوات أو عشر، ففي سنة 666ه أيام السلطان أباقا أمر بضرب فلوس من المس وهو أردأ النحاس ليتعامل بها الناس، وجعل كل أربعة وعشرين فلسا بدرهم، ثم في سنة 682ه أبطلت الفلوس النحاسية وضربت عوضها فلوس جديدة من الفضة، وجعل كل اثني عشر فلسا بدرهم وسموها دناكش، ثم أبطلت في سنة 683ه وأعيدت الفلوس المس، وتعامل الناس بها كل ثلاثين فلسا بدرهم، وتضرروا أضرارا بالغة، وفي سنة 684ه أبطلت الفلوس المس وتعطلت أمور العالم لذلك، وبطلت معايشها، وضربت دراهم غيرها وقرر سعرها ثمانية مثاقيل بدينار، واختلفت قيمة الدراهم الأولى، فكان منها كل عشرة مثاقيل بدينار، ومنها اثنا عشر مثقالا بدينار، فذهب من الناس شيء كثير ... ثم غلت الأسعار فبلغ الكر من الحنطة مائة وعشرين دينارا وكر الشعير مائة دينار،
1
وفي سنة 698ه حينما دخل غازان إلى العراق أمر بالإحسان إلى الرعية، وزاد في العدل والرأفة بهم، وأمر أن يصفى الذهب والفضة من الغش ويبالغ في ذلك، وتضرب الدراهم متساوية الوزن؛ ليتعامل بها الناس عددا، ويكون وزن الدرهم نصف مثقال، وعملت دراهم وزن الدرهم ثلاثة مثاقيل، وضرب من الذهب أشياء مختلفة الوزن خمسة مثاقيل، وثلاثة مثاقيل، ومثقالان، ومثقال، ونصف مثقال، وربع مثقال، وأمر أن يعمل ذلك في جميع الممالك، فعمل وانتفع الناس به،
2
ولكن هذا العدل لم يدم طويلا فقد أمر بتغيير التعامل بهذه العملة بعد فترة، واغتم الناس لذلك غما كثيرا، وزيفت العملة من جديد، وزاد في البلاء أن جماعة من اليهود وغيرهم قد أخذوا يزيفون العملة، وينشرونها في الأسواق، ففي سنة 678ه نسب إلى جماعة من أهل بغداد ويهودها أنهم زيفوا العملة، فأخذ بعضهم وضرب فأقر على جماعته، ومنهم حيدر بن الأيسر وكان من أعيان البلد المتصرفين، ومنهم ابن الأخضر الذي كان ينقش العملة، فأمر الصاحب عطاء ملك الجوني بقطع أيدي جماعة منهم ابن الأخضر، وقرر على ابن الأيسر مالا مسمى فأداه، ومما زاد في الطنبور نغمة أن أمراء المغول وأذنابهم أظهروا في سنة 693ه عملة ورقية نقدية سموها الچاو، بالجيم الفارسية المثلثة، وهي نوع من الورق المستطيل الشكل وضعوا عليه نقش «تمغة» السلطان أي شعاره، وكتبوا عليها كلمتي الشهادة، وأمروا الناس أن يتعاملوا بها،
3
Unknown page