ودود ، أين الخلق الذى هو فى وجه الدنيا البشاشة والبشر وفى بسهما الثنايا الفر ، وأين الحياء الذى يجلى به الكرم وتحلى بمحاسنه الشيمة ، كيف يزهد فيمن ملك عنان الدهر ، فهو طوع قياده؟ وتبع مراده ينتظر أمره فيمتثل ويرقب نهيه فيعتزل ، وكيف يهجر من تضاءلت الأرض تحت قدمه وصارت فى الانقياد له كخدمه إذا رأت شاشته أعشبت وإن أحست بجفوته أجدبت؟ وكيف يستغنى عمن خيله العزمات والأوهام وأنصاره الليالى والأيام؟ فمن هرب منه أدركه بمكايدها ومن طلبه وجده فى مراصدها وكيف يعرض عمن تعرض رفاهة العيش بإعراضه وتنقبض الأرزاق بانقباضه وأضاء نجم الإقبال إذا أقبل وأهل هلال الجد إذا تهلل؟ وكيف يزهى على من تحقر فى عينه الدنيا ويرى تحسن السماء العليا قد ركب عنق الفلك واستوى على ذات الحبك فتبرجت له البروج وتكوكبت له الكواكب واستجارت بغرته المجرة وأثرت بمآثره أوضاح الثريا؟ بل كيف يهون من لو شاء عقد الهواء وجسم الهباء وفصل تراكيب السماء ألف بين النار والماء وأكمد خياء الشمس والقمر وكفاهما عناء السير والسفر وسد مناخر الرياح والزعازع وطبق أجفاف البروق اللوامع ، وقطع ألسنة الرعود بسيف الوعيد ونظم صوب الغمام نظم الفريد ورفع عن الأرض سطوة الزلازل وقضى بما يراه على القضاء النازل ، وعرض الشيطان بمعرض الإنسان وكحل العيون بصور الفيلان وأنبت العشب على البحار وألبس الليل ضوء النهار ولم لا يعلم أن مهاجرى من هذه قدرته ضلال ومباينى من هذه صفته خبال]
وهذه الرسالة حتى آخرها مليئة بمحاسن الكلام ونقتصر على هذا القدر لرفع الشبهة.
وشاهد آخر على فضله أنه اكتشف كوكب الحرانى عن طريق الإسطرلاب وأخر تبسيط التقويم الخجندى ويقص الآلات والأدوات والتى يكتب عنها بخط يده إلى أبى إسحاق الصابى وهذا أطرف مما ورد أثناء تلك الرسالة :
[وكأنى بالأستاذ إذا قرأ كتابى هذا يقول أى نسب من الأنساب بين قابوس والإسطرلاب وأى سبب من الأسباب يحمله على تعاطى هذا الكتاب ، ومكاتبتى أبلغ الكتاب ، وهلا اقتصر على التراس والزانات ولم يتخط الإسطرلابات والآلات] ، واكتفينا بهذا القدر من هذه الرسالة حتى لا يطول الحديث أما جواب الصافى فقد ورد كاملا لأن كلامه شاهد ويجب أن يسمع برمته :
Page 155