وفي يوم 2 أغسطس سنة 216 قبل المسيح كانت القيادة لفارون، فاقترب من جيش أنيبال حتى التحم الجيشان، وحصلت بينهما موقعة هائلة بالقرب من مدينة (كان)
3
كان الفوز فيها للقرطاجيين كما كان لهم في الواقعتين السابقتين بفضل فرسان الإفريقيين الذين كان يبلغ عددهم عشرة آلاف؛ أي خمس الجيش بأجمعه البالغ خمسين ألفا.
أما جيش الرومانيين فكان أكثر من جيش العدو عددا بما يوازي الضعف، لكن لم يكن بينهم أكثر من ستة آلاف فارس.
ومع أن انتصار القرطاجيين كان في جميع مواقعهم السالفة مسببا عن كثرة عدد الفرسان لم يلتفت قواد الرومان لهذا الأمر الخطير، ولم يستفيدوا مما ألم بهم بسبب قلة فرسانهم ولم يزيدوا عددهم بالنسبة الموجودة في جيش أنيبال؛ إذ لو روعيت هذه النسبة لكان يلزم أن يكون في جيش الرومان عشرون ألف فارس لا ستة آلاف.
وقد قدر المؤرخون قتلى الرومانيين بين خمسين وسبعين ألفا والأسرى بعشرة آلاف.
وقال الخبيرون بفنون الحرب والقتال إنه كان من السهل على أنيبال أن يزحف على مدينة رومة فيحتلها بدون كثير عناء؛ بسبب ما لحق سكانها من الاضطراب والخوف عقب وصول خبر هذا المصاب العظيم إليهم، لكن منعه عن ذلك اشتغال جنوده بجمع الأسلاب والغنائم وبيعها والاتجار بالأسرى والأرقاء وصرف غالب أوقاتهم في مغازلة الحسان ومعاقرة بنت الحان فرحا بما نالهم من النصر المبين والفوز العظيم، ومن جهة أخرى كان جزء ليس بقليل من جيوشه من غير القرطاجيين مؤلفا من خليط جميع القبائل التي مالت إليه لا طلبا للمجد والفخار، بل سعيا وراء الكسب والغنى.
ولذلك خشي التقدم إلى الأمام لعدم تأكده من إطاعة الأجراء من جنوده لأوامره، ولتحققه من أن جميع سكان مدينة رومة يكونون يدا واحدة في الدفاع عنها، لا فرق في ذلك بين الرجال والنساء والأحرار والأرقاء، وأنهم لا يدعونه يطأ أرض المدينة ما دام في عروقهم قطرة من الدم.
فلهذه الأسباب فضل التربص في جنوبي إيطاليا والسعي في استمالة سكانها إليه ليكونوا له أعوانا على الرومانيين، خصوصا وقد نقص جيشه نقصا بليغا حتى صارت الأغلبية فيه للأجراء، وصار من المستحيل وصول مدد إليه من قرطاجة بسبب محاصرة سفن الرومان لجميع سواحل إيطاليا، ومنع أي اتصال بينه وبين بلاده.
فكان من المحتم عليه إدخال بعض القبائل الجنوبية تحت طاعته طوعا أو كرها، وتجنيد الأشداء من رجالها ضمن جنوده، وعدم التعويل على وصول المدد إليه لسد النقص الذي حصل في جيوشه بسبب الأمراض والحروب.
Unknown page