بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي رفع السماء عبرةً للناظرين وبسط الأرض وجعل فيها آيات للموقنين وأودع في اختلاف الألسن والألوان باختلاف الأقاليم والبلدان بصائر المستبصرين شواهد عموم رحمته وسبوغ نعمته المعالمين وصلى الله على سيدنا المصطفى من خلقه في السموات والأرضين وعلى آله الطيبين وأصحابه أجمعين. وبعد فإن التأريخ ولا سيما ما يتعلق بمعمورة الأرض. وعروض بلادها وأطوالها وأوضاع مبانيها ومسافات مغانيها وتصوير أقطارها وتبيين أحوال أمصارها من أبدع الفنون وأغربها وأبعدها غورًا وأعجبها يجدد لك أوراقه البالية المدائن الدراسة برصاصها وقصورها ويحيي أموات فصولها وأبوابها القرون الطامسة في طي حروفها وسطورها. هذا ولا مرية لذوي العقول والأديان في أن مكة زادها الله شرفًا أم القرى وسرة الأرض المعمورة وأحب بلاد الله إلى الله ورسوله في السنن المشهورة. ثم إن أيمن ما حولها من البلدان وأبركها مملكة اليمن المحصوص بالبركات الثلث النبوية في جواهر السنن منبع الحكمة ومعدن الفقه والأيمان من سالف الزمن. فخصصت هذين القطرين في هذا الكتاب بذكره ما يتعلق بهما في هذا الفن من بيان البقاع والبلاد والمدن والجبال والبحار وشرح المنازل والمغاني والمقادير والمسافات في المفاوز والمقار ثم تصوير كل بقعة منه حتى كأنك تراها رأى العين وتوقف بها على أرجائها فيغنيك ذلك عن ألاين في البين. ولا يعدم كل بقعة من نادرة جرت فيها الأخبار وشعر نظم في سلكها قديما من الأشعار. وهذا أوان الشروع في مقصود الكتاب وتسهيل الحجاب وفتح الباب والله ميسر الأسباب إنه كريم وهاب. ذكر أسماء مكة وصفاتها سماها الله بأربعة أسماء: مكة والبلد والقرية وأم القرى. قال الله تعالى: (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة) . فإذا الكلام على هذا الاسم قال الزجاج: مكة لا تنصرف لأنها مؤنثة وهي معرفة. ويصلح أن يكون اشتقاقها بكة لأن الميم تبدل من الباء كما يقال ضربة لازب ولازم، ويصلح أن يكون اشتقاقها من قولهم مككت العظم إذا مصصته مصًا شديدًا حتى لا يبقى فيه شيء شبهت بذلك لشدة ازدحام الناس فيها، وقال أبن فارس: مككت العظم إذا أخرجت مخه والمك الاستقصاء. وفي الحديث: لا تمككوا على غرمانكم. وفي تسمية مكة بهذا الاسم أربعة أقوال: أحدها أنها مسافة يأتوها الناس من كل فج عميق فكأنها هي التي تجذبهم إليها، من قول العرب أمتك الفصيل ما في ضرع أمه، والثاني من قولهم مككت الرجل إذا أردت تخوفه فكأنها تمكك من ظلم فيها أي تهلكه، كما قال: يا مكة الفاجر مكي مكا ... ولا تمكي مذحجا وعكا

1 / 1

والثالث إنها سميت بذلك لجهد أهلها، والرابع لقلة الماء بها. وقد اتفق العلماء أن مكة اسم لجميع البلدة، واختلفوا في بكة على أربعة أقوال: أحدها أنه اسم للبقعة التي فيها الكعبة قاله أبن عباس ﵄، والثاني إنها ما حول البيت ومكة ما وراء ذلك قاله عكرمة، والثالث إنها اسم للمسجد والبيت ومكة اسم للحرم كما قاله الهروي، والرابع أن بكة هي مكة قاله الضحاك واحتج لتصحيحه أبن قتيبة وقال بأن الباء تبدل من الميم ويقال ضربة لازم ولازب. وأما اشتقاق بكة فمن البك: يقال بك الناس بعضهم بعضًا أي دفعه. وفي تسميتها بكة ثلثة أقوال: أحدها لازدحام الناس بها قاله أبن عباس، والثاني تبك أعناق الجبابرة أي تدفها فما قصدها جبار إلا أهلكه الله قال ابن الزبير وأما تسميتها بالبلد فقد قال ﷿: (لا أقسم بهذا البلد) يعني مكة والبلد في اللغة صدر القرى. وأما تسميتها بالقرية فقال الله ﷿: (ضرب الله مثلًا قرية كانت آمنة مطمئنة)، أي ساكنة بأهلها لا يحتاجون إلى انتقال عنها لخوف أو ضيق، يأتيها رزقها من كل مكان، الرزق الواسع الكثير يقال أرغد فلان إذا أصاب خصبًا وسعة، فكفرت بأنعم الله، أي كذبت محمدًا (، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف، وأصل الرزق بالنعم وأكثر اشتقاقه منه وذلك أن الله تعالى عذب كفار مكة بالجوع سبع سنين حتى أكلوا الجيف والعظام المحرقة وكانوا يخافون من رسول الله (ومن سراياه. والقرية اسم لما يجتمع فيها جماعة كثيرة من الناس وهذا اسم مأخوذ من الجميع يقال: قريت الماء في الحوض إذا جمعته فيه ويسمى ذلك الحوض مقراة. وأما تسميتها بأم القرى فقد قال الله ﷿: ولتنذر أم القرى ومن حولها يعتى مكة، وفي تسميتها بذلك أربعة أقوال: أحدها أن الأرض ديحت من تحتها قاله أبن عباس وقال أبن قتيبة لأنها أقدمها، والثاني لأنها قبلة يزورها الناس، والثالث لأنها أعظم القرى شأنًا، والرابع فيها بيت الله ﷿ ٠٠٠٠. قال أبن المجاور: ومما قرأت في كتب الفاكهي قال: قال لي رجل من أهل مكة قال أعطاه كتابا بعض أشياخه فإذا فيه أسماء مكة فإذا فيه مكتوب: بكة ومكة وبرة وبساسة وأم القرى والحرم والمسجد الحرام والبلد الأمين: وقالوا ومن أسمائها صلاح، وقال القائل في ذلك٠٠٠٠٠٠ صلاح، وقال كانت تسمى في الجاهلية النشاشة لأنها تنش من فيها أي تخرجه منها. قال أبن المجاور: وحدثني هندي بالهند إنها تسمى عند الهنود مكي مسير. وقال بعض الفضلاء: اسمها كوسا، واحتج بقول الشاعر: سألت عمرًا عن فتى اسمه ... يحيى وثاني اسمه عيسى فقال: يحيى أبصرته جالسًا ... بالفج يحلق رأسه موسى وأبصرت عيسى داخلًا قرية ... هي التي قد سميت كوسا ويسمونها التجار عروق الذهب ويسمونها البغاددة مربية الأيتام. وقد ذكر المسعودي في كتاب مروج الذهب أن مكة من الإقليم الثاني تنسب إلى المريخ وبناها إبراهيم الخليل ﵇. وهواها صحيح وجوها طيب وليلها أطيب من نهارها لأنها تنزل في لياليها الرحمة من بها. وماؤها من الآبار وأطيبها ماء الشبيكة والوردية والواسعة وهي بئر وراء جبل أبي قيس، فيها يربح الفقير. وجميع ذلك بنته أم العزيز زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور. وأهلها عرب أشراف من نسل علي بن أبي طالب وما بقي من أهلها قرشيين على مذهب الأمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. وهم رجال سمر لأن جلة مناكحهم الجوار السود من الحبش والنوبة، وطوال الجثث صحيحين اللغة قليلين المال كثيرين العشائر والقبائل ذوو قناعة. وقد قال الني (: " القناعة غنى "، وقال ﵇: " القناعة كنز لا ينفذ "، وكان أحدهم يبقى على قرص وقيل سمن ثلاثة أيام بلياليها. وفي ذلك أنشد الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول: أمت مطامعي وأرحت نفسي ... فإن النفس ما طمعت تهون وأحييت القنوع وكان ميتًا ... وفي إحيائه عرض مصون إذا طمع أحل بقلب عبد ... علته مذلة وعلاه هون

1 / 2

وملبسهم النصافي النيسابوري الرفيع ويتحزم بنصفه الثاني ويرمى بما فضل منها. لبس نسائهم القنوع وقد تقدم ذكر القنوع في أعمال صنعاء والبراقع. ومأكلهم اللحم والسمن والخبز. وأساميهم سالم ومسلم وغانم وغنام وفراح وفارح وقاسم وهياب ونهاب ووثاب ومطاعم ومطاعن ومفرج وفارج وقاسم وقائم وضاحك وضحكان وسلاسل وفلال وسيار وهبار وراشد وشاكر ومشكر وفاضل وفضائل وطالب وظالب وواصل وحاصل وراجي ومترجي وراجح وناجح وفاتك ومالك ومهيوب وهياب ووهلس ورعاش وحواس وكناس وقادم ومقدم ومشمر وهانئ ومهنا وزاكي وطائب وظافر وناجي ومنجي وجابر ولاحق وسيار وصابر وجابر وعارس. ذكر زواج أهل مكة في العشر من ذي الحجة يخطب زيد بنت عمرو وفي العاشر من المحرم يدخل كل واحد منهم على عرسه بالنظرة والتظهير. قلنا: ولم ذلك؟ قالوا: لآن كلا منا يعيش مع الحاج في كل فن من الفنون من إحرام وحلال فإذا رحل الحاج دار الخطب والنكاح والأفراح والأعراس بين الناس. فإذا تزوج رجل من أهل مكة وقطع المهر وأراد الدخول على المرأة يخضب الرجال أيديهم وأرجلهم تزين وكذلك جميع أهل اليمن وحضرموت. ويحضر كل أصدقائه من الأهل والأقارب وبيده قرطاس مشرور مكتوب عليه اسم الآتي مع وزن المبلغ وعدده يقدمه قدام العروس كل على حاله وسعة ماله وكذلك يفعل النساء. ويخرج العروس إلى الحرم ويطوف سبعًا ويصلي وقام إبراهيم ركعتين ويقبل الحجر الأسود ويخرج بالشمع إلى بيت العروس فتجلى عليه ويدخل عليها ويبقى عندها سبعة أيام. ففي اليوم السابع يخرج يضم الطرح الذي طرح له ويدبره رأس مال في يده وعند ذلك يفتح له دكانًا يعيش به. ويكون ذلك الطرح دينا عليه وكل من تزوج من القوم الذين حضورا العرس يدر إليهم الذي اخذ إلى كل واحد من القوم مثل الذي جاء به إليه أو أزيد منه، وكذلك يفعلون في سائر أقاليم اليمن. وكانت أهل مكة في سالف الدهر يشترون العبيد ويقطعون عليهم قطعة تعطى لسيده كل يوم بيومه، وكذلك النساء تقطع المرأة قطعة على جوارها في تحصيل الذهب فترجع الجارية ترجو الفرج أو تبذل الفرج للرجل والحرج في هرج ومرج. وإلى الآن هذا موجود في عدن من الغريب وأهلها وليس هذا الفن عندهم عار بل يفتخر النساء بذلك. وكذلك كان في أيام الجاهلية كل جارية لا تبذل فرجها ينكر عليها إلى أن نزلت هذه الآية: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا فهي من ذلك العهد وعم على ذلك العهد باقون) . وإذا خرج السيد والعبد الجارية إلى أشغالهم خليت المرأة في الدار وحدها حتى إنها تبرك على أربع إذ ليس لها شغل تشتغل به فيرجع بروكها على وركها عادة وألفوه إلفًا. ويقال إذا تخاصم رجل وامرأته واغتاظت المرأة منه غاية الغيظ تقول المرأة لزوجها: لا شك أنك على أني أكسره، والمعنى أنك تريد أن اقعد على عجزي، فيقول لها زوجها: بالله عليك لا تفعلي ذلك. فصل

1 / 3

دخل سيف الدولة بن عبد الله بن حمدان على بنت عمه ويقال بنت خاله وهي باركة على أربع وهي تنظم لها حب عقد لؤلؤ فقال لها سيف الدولة: بكم هذا؟ قالت له: بالموصل. قال لها: اشتريت. فقالت له: وأنا بعتك. وقضى منها شغله ٠٠٠٠٠ فلما أصبح من الغد جاء الخادم يتقاضى ثمن ما اشتراه فقال سيف الدولة للوزير: اكتب لها منشورًا بتسليم الموصل! فما أعجب الوزير هذا القول وامسك عن الكتب. فقال له سيف الدولة: أكتب لها فو الله لقد أخذت منها فردًا يسوي جملًا احمرًا أو يقال جمل عراقي. كما قال: نعم أقول لو أن القول مقبول. ظل الهوى وتمادى القال والقيل ليس السلام بشافي القلب من دنف. ما لم يكن فيه تخميش وتقبيل وليس يرضى محب عن أحبته. حتى يفوز بما ضم السراويل. ولأجل ذلك تكبر أعجاز نساء الحجاز لأنهم يربونه قاصدًا. ويطلع بها من جميع الخضر مثل البطيخ والخيار والقثاء والباذنجان والكراث ويأكلونه بالتمر والفجل وما أشبه ذلك وبها الرطب الطيب من البرني والمكتوم. ويقال إنه كان في قديم الأيام يجتمع بها من جميع الأزهار والفواكه والثمار والرياحين ومن جملة ذلك أنه كان يزرع في زهران الزعفران. وكان يرفع ذلك إلى بغداد كل عام بعد الخرج والمون ثمانون ألف دينار وقيل ثمانية عشر ألف دينار وهو الأصح. وجميع ذلك كان من الزرع والضرع ودخل الأشجار وجني الثمار وسقي الأنهار ومراعي الإبل ودخل النخيل. فلما دار الدهر نقص جميع ما ذكرناه لاختلاف النيات مع قلة الأمانات. وكل من بها يستعمل الطيب من الرجل والمرأة. وفي يد كل واحد من القوم سيف ولم يرموا العدة من أيديهم إلا في شهر الله الأصم رجب عظم الله حرمته. وبناه البلد بالحجر والجص وبناء الطبقة الثانية بالشكل، وهذا في زمان معاوية بن أبي سفيان. وصارت بعده في أيام أبي عبد الله محمد المهدي بالله أمير المؤمنين لما بني الحرم الشريف كل دار تشابه حصنا من الحصون لأجل أحكامها. وبني الأمير هاشم مدينة ظاهر مكة بين درب الثنية والمسفل تسمى مربعة الأمير فكان يسكن بها جنده وخدمه وحشمه وبقي البلد عامرًا. وخربت في دولة الأمير عيسى بن فليته وبقي خراب إلى دولة الأمير قتادة بن إدريس بن مطاعم بن عبد الكريم وجدد فيها آثارًا ومواضع شتى وأراد أن يسكن فيه الغرباء وقريش ويسكن هو وجميع أهل الشرف مكة فمات على غفلة وبطل جميع العمل من طول الأمل. وأدار الأمير قتادة بن إدريس على مكة سورًا من الحجر والطين وذلك على رءوس الجبال وبطون الأودية وركب عليه أربعة أبواب: باب درب المعلى ينفد إلى عرفات، وباب درب الثنية ينفذ إلى مدينة الرسول (ويسمى باب جدة وباب العمرة، وباب المسفلة ينفذ إلى اليمن، وباب الصغير ينفذ إلى الصفا المصافي والصحيفة، وهو واد ليس عليه طريق على هذا الوضع والترتيب والله تعالى اعلم بالصواب. ذكر ولاة مكة من آل الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. الأمير منصور بن يكثر بن عيسى بن مكثر بن قاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن أبي هاشم بن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى بن عبد الله ب موسى الجون بن عبد الله ديباجة بني هاشم بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب. والأمير حسن بن قتادة بن إدريس بن مطاعم بن عبد الكريم بن عيسى بن الحسين بن سلمان بن علي بن عبد الله بن موسى الجون، وهاهنا يرجع النسبيين إلى فرد نسب. فهؤلاء الذين نزلوا مكة من أيام دولة الأمام عبد الله الخليفة أبي جعفر بن هارون الرشيد إلى سنة تسع عشر وستمائة. وفي هذا التأريخ ملكها السلطان الملك المسعود صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن محمد بن أبي بكر بن أيوب بن شاذي بن مروان بن محمد. ونقد البلد ذهب مصري وبها يضرب على عيار المصري يستوي الدينار أربعة وعشري علوي يحسب كل علويّ أربعة دراهم كل درهم ستة فلوس.

1 / 4

فلما رجعت الدولة لآل أيوب ضربوا الدراهم الكبار ويقال أول من ضرب هذا الدرهم الكبير بها المعز إسماعيل بن طغنكين في اليمن. وأول من ضرب الدراهم الكبار بمكة الملك المسعود يوسف بن محمد على قوانين اليمن يسوى الدينار المصري أربعة دنانير ونصف ملكي يصبح ثمان عشرة درهما يحسب كل أربعة دراهم دنانير دينار مكي، وكل درهم ثلث جوز كل جائز ثمان فلوس وكل فلس أربع درس. قال أبن مجاور: وكل ما كان يصح في أول العهد بعلوي رجع ذلك الشيء بدرهم كبير. والرطل مائة وثلاثون درهما وهو ستة أواق يحسب كل أوقية أحد وعشرون درهما وثلث وبه يباع جميع الحاوئج والعطر. ومن اليمن ثلاثمائة وعشرين درهما وبه يباع الثياب والسكر والعسل وجميع الحوائج الحلوة، ومن اللحم أربعمائة درهما وبه يباع اللحم والشحم والهريسة والمجبنة والألية، ومن السمن ثمانمائة درهما وبه يباع السمن والزيت والخل والشيرج. والذراع اليد في أيام الموسم وأيام الصدقة وإذا كان بعد الموسم بمدة شهر كامل زيد في الذراع وفي سنة أثنين وعشرين وستمائة زيد في الذراع ورجع الذراع على ذراع مصر. وكانت صنجة مكة في بغداد تصج المائة خمسة وتسعين دينارًا، فلما تولى ملك الحجاز طغتكين الكاملي نقص المائة الدينار فصار الآن تصح المائة المكية ببغداد أربعة وتسعين دينارًا. وجميع ما يباع بمكة مقايضة كج بكج. ويباع الحنطة وسائر الحبوب بالصاع ويحسب الصاع أربعة إمداد وكل مد أربعة أرباع الرطل. ويباع الادم بالبيعة كل بيعة مائة من يصح الحمل بيعتين ونصف. ويحسب العوار ثلاثة أضعاف: عوار الذي يكون في أوسط الطاق خدش سكين في رقبة الطاق، والثاني الشعراني وهو الذي يكون في الشعر، والمقفع يكون قد تقفح الكيمخت من على الجلد، وكذلك اليابس من الدهن والخفيف والأسود. والأديم الجيد وهو الثقيل النقي الطاهر عتابي الوجه مشتبك بعضه ببعض مبرأ من العيوب التي ذكرناها. قال أبن المجاور: هذا في اليمن ونواحيها يكون يسوي كل مائة من بخوارزم على الصفة التي ذكرنا سبعين دينارا. ويدبغ الأديم في جميع أقاليم اليمن والحجاز ونواحيها ويبيعوه طاقاتٍ بالعدد وكذلك الحبشة وأعمالها ويسموه العجم أديم خوش وفي كشك من أعمال الهند كذلك. وما تدبغ الأديم إلا بالقرظ، ويدبغ في مكة جلود الجمال والبقر والغزلان وكان مسافرو خراسان يشترون جلود البغال الفحولة من رستاق الموصل وسواد إربل وتدبغ في مكة، وقد بطل جميع ذلك من سنة عشر وستمائة لظهور الكافر بخرسان والري. والأديم الخفيف يصلح للعراق والشام لأنهم ينشرون الطاق حتى يجعلوه على الكيمخت، وما يريدون في خوارزم وخرسان إلا الأديم الثقيل لأنهم يبطنون به الخف. ويقال في الأثمان يسوي الخوارزمي وألفا أربع دوانيق ربكبه وخفه عشر دنانير وكذلك الروم. ويقال إن الصديق بمنزلة الرأس والعدو بمنزلة الرجل ولأجل ذلك لبست أهل هذه النواحي أرجلهم أجود ما يكون من الملابس. حدثني محمد بن رزق الله قال لي: هل ترون في خراسان كوكب سهيل؟ قالت: لا والله! قال: لهذا لم يصح لهم دباغة الأديم. قالت: وكيف ذاك؟ قال: كل إقليم يطلع عليه وفيه سهيل يصح فيه دباغة الأديم لأنه يحمره ويصيره إلى ما ترى من الليونة والنعومة. من مكة إلى المدينة على طريق بني عصية وهم الرو. من مكة إلى بطن مر أربع فراسخ وهو واد طيب وبنى فيه بعض أمراء مكة من الشرق قصرًا وهو الآن خراب. وإلى الهدى أربع فراسخ وإلى برزة أربع فراسخ وإلى شابة أربع فراسخ وإلى المدينة قدر أربع فراسخ. وإلى هجر سبع فراسخ أرض عزة وهي أرض بني سليم التي فتحها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. ذكر فتح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب هذه الجبال

1 / 5