Tarikh Misr Min Fath Cuthmani
تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
Genres
وفي نية المؤلفين إعداد كتاب في جزءين في تاريخ أوروبا الحديثة وآثار حضارتها، وفي الرجاء أن ينتهي الجزء الأول منهما قريبا إن شاء الله تعالى.
وحرر بالقاهرة في 8 ذي القعدة سنة 1334 الموافق 6 سبتمبر سنة 1916.
الباب الأول
عهد الدولة العثمانية
الفصل الأول
الفتح العثماني لمصر
كانت الدولة العثمانية منذ استتب سلطانها بآسيا الصغرى على تصادق ومصافاة لدولة المماليك الجراكسة المصرية، تدور بين سلاطينهما رسائل الوداد وعقود المهادنة. وابتدأ ذلك من عصر السلطان الظاهر برقوق المصري ومعاصره السلطان يلدرم «بايزيد» العثماني.
وبقيت هذه الحال مرعية إلى زمن السلطان «بايزيد الثاني» ابن محمد الفاتح؛ إذ نازعه أخوه الأمير «جم» في الملك، فقاتله بايزيد وهزم جيوشه، وفر جم إلى الأشرف قايتباي سلطان مصر ملتجئا فأجاره، وطلب بايزيد تسليمه إليه، فلم يجبه قايتباي، فحقد عليه. وانضم ذلك إلى النزاع القائم بينهما على إمارة أبناء ذي الغادر
1 - التي كانت في حماية مصر، ثم تدخلت الدولة العثمانية في شئونها وادعت حمايتها - وإلى ما بلغ بايزيد من أن قايتباي أخذ من رسول ملك الهند هدايا كان أرسلها إلى السلطان بايزيد؛ فاتخذ بايزيد من كل ذلك ذريعة إلى إعلان الحرب على الدولة المصرية، فجهز جيشا عظيما توغل في البلاد الشامية إلى قرب حلب؛ حيث التقى به جيش للمصريين؛ فكانت الهزيمة على العثمانيين، فأتبعه بجيش آخر كانت عاقبته كسابقه. وزحف الجيش المصري على البلاد العثمانية فالتقى بجيش جرار عثماني، فكانت الحرب بينهما سجالا مدة انتهت بالصلح والمصافاة، إلا أنها صارت سببا لتجسيم التنافس والتزاحم بين الدولتين على الاستئثار بالعظمة وبسط النفوذ والزعامة على الممالك الإسلامية.
من أجل ذلك لم يدم هذا الصلح طويلا؛ إذ أخذ العثمانيون من جهة يحرضون القبائل والإمارات التابعة لمصر على التخلص من سيادتها، ويضعون العراقيل في سبيل تجارتها مع غربي آسيا وأواسطها؛ مما جعل ورود الصوف ومنسوجاته وأنواع الفراء الفاخرة والمماليك الجراكسة إلى البلاد المصرية نادرا جدا، بل ممتنعا في أواخر أيام الغوري، وكان أشدها على المصريين امتناع ورود الرقيق من المماليك؛ إذ هم مادة الجيش ورجال الحكومة. ومن جهة أخرى أخذ سلاطين مصر يجيرون كل من التجأ إليهم من أبناء السلاطين العثمانيين والأمراء الفارين من وجه الدولة العثمانية، ثم استرسلوا في الأمر وهبوا يوادون من عادى العثمانيين من سلاطين الدول المجاورة لهم، مثل «أوزون حسن» سلطان العراق، ثم بعده الشاه إسماعيل الصفوي «المؤسس الثاني لدولة إيران الحالية» وغيرهما، ولم تزد هذه الموادة على أكثر من تبادل المراسلات، مع أن الشاه حاول جعلها محالفة دفاع وهجوم فلم يفلح لبعد ما بين الأمتين في المذاهب؛ وذلك من أغلاط الغوري. واستطار شرر هذه الإحن والأحقاد بسماح الغوري بأن يمر بطريق الشام الوفد الذي أرسله الشاه إسماعيل إلى مملكة البندقية ليعرض عليها أن يتحدا معا على محاربة العثمانيين، وبإجارة السلطان الغوري للأمير قاسم ابن أخي السلطان سليم الأول العثماني، وإجارة الشاه إسماعيل للأمير مراد أخي قاسم، وكان السلطان سليم أراد قتلهما، فطلبهما منهما فلم يجيباه؛ فكان ذلك - إلى خوفه من استفحال دولة الفرس الجديدة أو تحول المودة القليلة بين مصر وفارس إلى حلف سياسي وتناصر حربي - سببا لإعلان سليم الحرب على الفرس أولا ثم على مصر ثانيا.
Unknown page