Tarikh Misr Min Fath Cuthmani
تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
Genres
2
وفي أوائل القرن السابع الهجري - الثالث عشر المسيحي - قامت للمغول دولة وثنية قوية بقيادة زعيمهم العظيم «جنكيزخان» ثم حفيده «هولاكو»، فاكتسحت ممالك آسيا الوسطى والغربية، وقوضت عرش الخلافة العباسية، وأتت من فظائع التقتيل والتخريب ما لا ينساه التاريخ، وكانت القبائل التركية الإسلامية تفر من وجوههم مؤثرين الهجرة على الخضوع لجورهم. ومن هذه القبائل قبيلة صغيرة تدعى «الأغوز»، خرجت من ديارها في أواسط آسيا وغربت حتى وصلت إلى آسيا الصغرى التي بقي جزء منها وقتئذ في حوزة السلاجقة؛ تلك هي القبيلة التي نشأت منها الدولة العثمانية.
وبينما تتجول هذه القبيلة في آسيا الصغرى يرأسها كبيرها «أرطغرل» إذ وجدت جيشين يقتتلان، أحدهما من المغول والآخر من السلجوقيين؛ فانضمت إلى الجيش الذي كاد ينهزم، وهو السلجوقي، فانتصر بها على المغول وطردهم من بلاده، فرأى السلطان السلجوقي «علاء الدين» وجوب مكافأة «أرطغرل» على معونته له، فأقطعه قطعة من الأرض قرب مدينة «بروسة» على تخوم أملاك الدولة الرومانية الشرقية تسمى «إسكي شهر» - سلطانوني - فكانت مهد الدولة العثمانية، وفيها ولد «عثمان» بن «أرطغرل» الذي تنسب الدولة إليه.
ولد عثمان سنة (656ه/1258م) فنشأ مولعا بالحرب مظفرا فيها، فانتزع في صباه من دولة الروم الشرقية مدينة «قره حصار» وغيرها، فمنحه سلطان «قونية» لقب «بك» ورقاه إلى مرتبة الأمراء.
وفي سنة (699ه/1300م) قضى المغول على البقية الباقية من الدولة السلجوقية، ولكنهم لم يستطيعوا أن يحكموا تلك البلاد بأنفسهم، فاستقلت فيها عشر إمارات تركية؛ إحداها إمارة «عثمان» الذي اعتبر من ذلك الحين المؤسس للدولة العثمانية وأول حاكم مستقل فيها، أما باقي الإمارات التركية فاندمجت في هذه الإمارة على توالي الأيام، وسموا أنفسهم عثمانيين أيضا.
وأخذ عثمان ينظم أملاكه ويوسع نطاقها في الجهة الغربية؛ فاستولى على كثير من أملاك الدولة الرومانية الشرقية. وقبل وفاته فتح ابنه «أرخان» مدينة «بروسة» بعد حصار طويل، فصارت بعد حاضرة للدولة.
وفي سنة (726ه/1326م) خلف عثمان ابنه «أرخان» (726-761ه/1326-1359م)، فواصل الحرب على الدولة الرومانية الشرقية، فافتتح منها «نيقوميدية» و«نيقية» - أزنيق - وكثيرا من البلاد الآسيوية التي كانت لم تزل في حوزتها. ثم جنح «أرخان» إلى السلم، فقضى نحو 20 عاما بلا طعن ولا نزال، عني فيها بتثبيت دعائم ملكه في البلاد التي فتحها، وإصلاح الحكومة وتنظيم الجيش. وقد كان لعمله الأخير أكبر أثر في اتساع رقعة المملكة وتأييد مجدها؛ وذلك بفضل إنشاء طائفة «الإنكشارية» - العسكر الجديد - التي كونها وعني بتدريبها حتى صارت أهم فرقة في الجيش.
ومنشأ هذه الطائفة أن الدولة كانت تأخذ كل عام نحو ألف صبي من أبناء النصارى الذين قتل آباؤهم في الحرب، وتلقنهم الدين الإسلامي، وتربيتهم تربية عسكرية منظمة، منطبقة على أدق القواعد الحربية التي امتاز بها الترك في ذلك الزمان، حتى صارت هذه الطائفة لا مثيل لها في القوة والإقدام والمرانة على الحرب، وكان يفتح أمامهم طريق الرقي إلى أكبر المناصب في الدولة؛ فعد ذلك أكبر مشجع لهم على الطاعة وخوض غمار الحروب، وبقي هذا النظام متبعا نحو ثلاثة قرون. غير أنه تسوهل فيه أخريات هذه المدة؛ فكانت الجنود الجدد تجمع من الأسرات التركية، ومن أبناء الإنكشارية أنفسهم. ولما طال عليهم الأمد استأثروا بالسلطة وأساءوا استعمالها، وأصبحوا منبع الشغب والقلاقل في الدولة، فقضى عليهم السلطان محمود الثاني أوائل القرن التاسع عشر سنة (1241ه/1826م).
بعض ضباط الإنكشارية (رسم علي أفندي يوسف).
ولما أتم «أرخان» تنظيم الجيش وإصلاح الشئون الداخلية عاد إلى العمل على توسيع نطاق أملاكه، فأغار على الشاطئ الأوروبي، واستولى فيه على مدينة «غليبولي» وغيرها من المدن شمالي مضيق الدردنيل (758ه/1357م)؛ فكان ذلك مبدأ الفتوح العثمانية في أوروبا، التي أخذت من وقتئذ تزداد وتعظم ويقفو بعضها بعضا.
Unknown page