Tarikh Misr Hadith
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
Genres
يحكى أن حمارا من حماري القاهرة أراد ترميم مذود حماره. وهو يفعل ذلك عثر في أحد جدران البيت على وعاء مملوء ذهبا ففرح جدا وأخذ الوعاء وسلمه إلى امرأته، وأوصاها أن تكتم الأمر لئلا ينكشف للحكومة فتأخذ المال منه؛ لأن لها وحدها الحق بالاستيلاء على مخزونات الأرض. فطلبت المرأة من زوجها أن يبتاع لها حليا وثيابا فاخرة لتتمتع بتلك الهبة، فأبى زوجها إجابة طلبها لئلا يقود ذلك إلى كشف الحقيقة، فاغتاظت وأسرعت لساعتها ووشت به إلى عثمان بك، فاستدعى الحمار وبعد أن سمع حقيقة الحال صرفه قائلا: «احفظ ما وهبك الله وطلق امرأتك وعش بسلام.»
ولما جاء الوباء إلى مصر كان عثمان بك في أول حكمه، فلما رأى الجوع الذي عقب الوباء فتح مخازنه وخزائنه وفرق الأقوات والأموال في الناس. ومع ذلك لم يستطع النجاة من مكايد ذوي المطامع وفي مقدمتهم إبراهيم وإسماعيل رضوان الأول كخيا
2
الإنكشارية، والآخر كخيا العزب، وكان كلاهما من المماليك، الواحد من طائفة القزدغلية والآخر من طائفة الجلفية.
وأصل الطائفة الأولى مملوك يقال له القزدغلي كان سروجيا، وأصل الطائفة الثانية أحمد الجلفي كان في أول أمره شيالا وأغناه الله بطريقة في غاية الغرابة لا بأس من ذكرها وهي: جاء بعض المماليك إلى إحدى معاصر الزيت ليبتاع مئونة بيته من الزيت مدة السنة، وكان أحمد الجلفي شيالا في تلك المعصرة، فابتاع المملوك الزيت واستأجر أحمد فحمله وسار معه حتى بلغا بيته، فأنزل الحمل ووقف ينتظر أجرته. فجاء المملوك وطلب إليه أن يساعده في إخفاء مبلغ من النقود في أحد جدران البيت، وألح عليه أن يكتم الأمر سرا وأعطاه بضعة دراهم مكافأة لذلك. فساعده وأخذ الدراهم وسار في سبيله حامدا شاكرا. وبعد ثلاثين يوما اتفق له المرور بالقرب من ذلك البيت فشاهد جماهير مجتمعة. ثم علم أن ذلك المملوك توفي وقد عرضت تركته للمبيع. فتقدم أحمد وابتاع البيت الذي فيه المخبأة، وبعد ارفضاض الجمع استخرج النقود، وسار بها إلى قريته (جلف) في مصر العليا، وامتلك ممتلكات كثيرة، ثم اتسعت ثروته وما زال حتى أصبح زعيما لعصابة كبيرة نسبت إليه.
وكان إبراهيم وإسماعيل رضوان في بادئ الرأي على تباين كلي بالأدبيات والماديات: كان إبراهيم في ضيق من المعاش مع إقدام وبسالة ومطامع كبيرة. وكان إسماعيل غنيا بليدا لا يهمه إلا التمتع بالملذات والشهوات. فكان إبراهيم في احتياج إلى إسماعيل ولذلك كان يتقرب منه، ثم تزوج إبراهيم ابنة محمد البارودي أحد التجار الأغنياء وأخذ معها مالا كثيرا؛ فتمكن بذلك من التقرب إلى بيت شيخ البلد وإلقاء المفاسد فيه بواسطة بعض المماليك والأتراك وغيرهم من ذوي الرتب كان يستعملهم آلة لتنفيذ مآربه. ثم تأتى له الارتقاء إلى رتبة البكوية مع صديقه إسماعيل رضوان فصار اسمه رضوان بك، واتحد الاثنان على السراء والضراء، ووحدا ممتلكاتهما واجتزآ بالسواء من محصولاتها.
فأوجس عثمان بك خفية من سرعة نمو ثروتهما، وملافاة لما كان يخشى حدوثه من طموح أنظارهما، ضم إليه ثلاثة أحزاب: أحدها حزب إبراهيم بك القطامش وفيه ثلاثة بكوات ، والثاني حزب علي بك الدمياطي وفيه بيكان، والثالث حزب علي كخيا الطويل. وشاورهم في الأمر فأقروا على قتل إبراهيم بك وكان إذ ذاك كخيا الإنكشارية ورضوان بك، فوافقوه على ما أراد. وكان وكيله أحمد السكري من مماليك إبراهيم بك فلم يمكنه كتمان ذلك عنه، فجاء إليه وأخبره بجميع ما كان من التواطئ على قتله وقتل رفيقه. فسار للحال إلى رضوان بك وأخبره، وتشاورا بشأن ذلك، فقررا نصب أحيولة يقتلان بها عثمان بك، فبعثا إليه رجالا يترصدونه في طريقه إلى القلعة، فمر فوثبوا عليه ففر بجواده حتى دخل القلعة ولم يظفروا به. فلاقاه وكيله وقد أضمر له الشر فسأله عما ألم به فأخبره بما كان فكلمه بلسان الثعلب ناصحا له أن يبرح المدينة حالا؛ لأن الناس قد قاموا يطلبون قتله، وما زال حتى أقنعه ففر إلى سوريا وسار هو معه. حتى إذا دنوا من غزة تنحى أحمد عن الطريق واختبأ في قرية يقال لها الأشرفية بحجة استطلاع الأحوال لحماية عثمان بك، فتربص هناك مدة، ثم عاد إلى القاهرة بمن معه من المماليك وسار إلى إبراهيم بك وأعلمه بما فعله، فكافأه على تلك الخيانة برتبة البكوية. وهم الأهلون ببيت عثمان فأحرقوه واقتسموا تركته.
أما هو فوصل سوريا وحده وسار منها إلى الأستانة، فولي بروصة ولبث فيها حتى توفاه الله، وجميع هذه الحوادث توالت على مصر في أثناء سنة 1156ه. (14-2) إبراهيم كخيا ورضوان بك
فلما خرج عثمان بك من مصر صفا الجو لإبراهيم كخيا ورضوان بك، فعملا على إبادة الأحزاب التي تآمرت عليهما، فأخذ رضوان بك على نفسه قتل علي كخيا الطويل، فأمر أحد مماليكه أن يقتله بالرصاص في وليمة حافلة فلبى المملوك الأمر، لكنه أخطأ الرمي وعوضا من أن يصيب عليا أصاب مملوكه الذي كان بجانبه فقبض عليه وقتل للحال. أما إبراهيم كخيا فتكفل بإهلاك من بقي من الأحزاب. وكان على ولاية مصر إذ ذاك كيور أحمد باشا، فطلب إليه إبراهيم أن يوافقه على إبادة البكوات فوافقه، وربما فعل ذلك خوفا منه، أو لأنه يعود عليه بالنفع الشخصي، واستعانوا بالنقود فبذلوها فسهلت مشروعهم حتى قتلوا علي بك الدمياطي بيد وكيله سليمان في وسط الديوان، وقد وعدهم هذا بتسليم رءوس البكوات الآخرين من أحزابه. فأمر إبراهيم كخيا ورضوان بك أن تقفل جميع منافذ القلعة على من فيها من البكوات المنوي قتلهم، وجعلا على بابي الإنكشارية والعزب جندا. وحافظ سليمان على وعده فبوشرت المذبحة وأول من قتل فيها خليل بك من دعاة الدمياطي ومحمد بك من دعاة قطامش وكثيرون غيرهم. وحاول علي بك وعمر بك البلاط الفرار فتبعهما الباشا بنفسه، ثم لاقاهما إبراهيم ورضوان وقتلاهما عند باب القلعة، ولم يدفن من القتلى إلا محمد بك وخليل بك.
ولم يبق من مناظري إبراهيم كخيا ورضوان بك إلا إبراهيم قطامش وعلي كخيا الطويل. فالأول مات من الحزن بعد مدة قصيرة، والثاني هاجر من تلقاء نفسه تاركا الدار ومن بناها. فصفا الجو لإبراهيم كخيا فتولى مشيخة البلد وسمى رضوان بك أميرا للحج. ثم جعلا يتبادلان هذين المنصبين كل سنة وعاد كل منهما إلى ميله الطبيعي: إبراهيم إلى مطامعه ورضوان إلى ملاهيه. فأخذ إبراهيم كخيا يفسد الأحكام ويستخدمها لاسترجاع ما بذله للحصول عليها، فلم يغادر وسيلة إلا استخدمها في سبيل مطامعه من قتل وفتك، فابتدأ بسليمان قاتل علي بك الدمياطي فحجر عليه في القلعة، ولم يفرج عنه حتى استرجع منه ما كان أعطاه من النقود. ثم باغت من بقي من الأغنياء في القاهرة ووضع يده على ممتلكاتهم بعد أن قتل بعضا منهم وبقي البعض الآخر. فاستولى في يوم واحد على أموال ثمانين بيتا من بيوت القاهرة، ووضع يده على محصولات البلاد والكمارك والقرى والمخازن حتى الحوانيت الصغيرة فلم يبق ولم يذر.
Unknown page