Tarikh Masrah
تاريخ المسرح في العالم العربي: القرن التاسع عشر
Genres
أما مسألة النفي، فنجد يعقوب صنوع يتناقض أمامها أكثر من مرة. فتارة يقول بنفيه من قبل الخديو، وتارة أخرى يقول إنه سافر أو هاجر من مصر. مع ملاحظة أن هذه الأقوال جاءت من خلال محاوراته ولعباته التياترية في صحفه بباريس.
105
أما قوله الصريح في هذه المسألة فقد ذكره في مقدمة كتابه «البدائع المعرضية بباريس البهية» عام 1899، عندما قال: «... كل إنسان له مشرب لا يشبه الآخر وإن كان من أب وأم واحدة وكان مشربي القيام بالدفاع عن الإنسانية، ولذلك لما لم يرضني الاستبداد الذي كان جار بالديار المصرية هجرت أوطاني واخترت عاصمة باريس مستقرا ومسكنا، وكان إذ ذاك في زمن معرض سنة 1878 مضى عليه عشرون عاما.»
106
وهذا يعني أن يعقوب صنوع لم ينف من مصر، بل سافر إلى باريس بمحض إرادته. هذا بالإضافة إلى أن الصحف في ذلك الوقت لم تأت بأية إشارة أو خبر عن هذا النفي. وبالرغم من ذلك أقر ناقدنا د. إبراهيم عبده بنفي صنوع، رغم شكه الذي عبر عنه قائلا: «إن يعقوب بن صنوع يروي قصة نفيه في بساطة ووضوح، ويميل بي الخاطر إلى تصديق كثير من تفاصيلها، وإن كنت أعتقد أنه بالغ فيما بعد في وصف وداعه وحزن الشعب له.»
107
وعندما يذكر قصة بداية النفي، يقول: «... ويقول صنوع من كتب قصة حياتي من الوطنيين أن أيام سفري من القاهرة والإسكندرية كانت حدثا وطنيا.» ويعلق الدكتور في الهامش على هذه العبارة قائلا: «لم أعثر على مواطن كتب شيئا من هذا الذي يرويه أبو نظارة.»
108
ورغم هذا الشك إلا أن ناقدنا أصر على سرد قصة النفي بصورة تفصيلية من خلال مذكرات صنوع، قائلا: «ويقول صنوع من كتب قصة حياتي من الوطنيين أن أيام سفري من القاهرة والإسكندرية كانت حدثا وطنيا، فقد كانت الجماهير مضطربة على غير عادتها، ولكن الذي أثر في نفسي ... هو وصول القطار إلى المحطات التي تقع بين القاهرة والإسكندرية حيث كان يقف بين الخمس والعشر دقائق، فكانت النساء تحضر الفاكهة ويرفعن أولادهن إلى نافذة العربة لكي أباركهم. وكان الفلاحون يصيحون «لا تسافر وتتركنا بين مخالب شيخ الحارة» وهو الاسم الذي أطلقته على الخديو إسماعيل ... وفي التاسع والعشرين من يونيو 1878 رجاني مواطني المصريون أن أتوجه إلى تمثال محمد علي الكبير الكائن في ميدان القناصل لأتقبل وداع الشعب. إن ذلك المنظر المؤثر لن يمحوه كر الأيام. وأمام عيون جواسيس إسماعيل أخذ سكان المدينة من رجال وسيدات، أغنياء وفقراء، يمرون أمامي صامتين محيين متمنين لي السعادة بصوت خفيض وفي اليوم التالي حوالى الظهر ركبت السفينة «فريسينيه
FREYCINET » التي أقلعت بي إلى مارسيليا. لقد كان المشهد جليلا. وقد أراد الخديو أن يراني بنفسه وأنا أغادر البلاد فمر راكبا عربته وقد أحاط به حراسه، في الوقت الذي نزلت فيه إلى الزورق الذي سينقلني إلى السفينة. ولم تجرؤ الجماهير على الهتاف ب «يسقط إسماعيل» لكثرة عدد رجال الشرطة، فأخذت تصيح «ليحيا أبو نظارة» وتعالت النداءات بعد ذلك «نريد نبوءة منك أيها الشيخ». وأعترف أنني احترت فيما يجب علي أن أقوله، ولكني شعرت كأن وحيا ألهمني ووضع في فمي تلك العبارة: سوف ينفى إسماعيل بعد سنة كما أنفى أنا اليوم. وقد شاءت المصادفات أن تتحقق نبوءتي حرفيا مما جعل الناس في الشرق كله يلقبونني بالولي.»
Unknown page