230

Tarikh Junun

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

Genres

بدا في البداية أن المصحة النفسية الفرنسية - على الرغم من الأحداث الرهيبة التي راح فيها كثيرون ضحية الموت جوعا خلال الاحتلال الألماني - لا تزال تمتلك أملا في مستقبل أفضل. بالطبع، لدى الجميع الرغبة في تغييره جذريا، حتى وإن لم تكن الألفاظ الجديدة للتغيير لا تقوم في النهاية إلا باسترجاع القديم: استخدام المصحة كمكان للشفاء تحت الاسم الجديد «العلاج النفسي المؤسسي»، ووضع تصور للمعمار (أحد أهم قضايا الطب العقلي القديم) يتناسب مع هذا الهدف والترويج للعلاج بالعمل تحت اسم المداواة بالعمل. إلا أن ثورة العلاجات البيولوجية وظهور التحليل النفسي كان لهما دور في تعديل الطب النفسي بصورة كبيرة، كل هذا قبل إعصار مناهضة الطب النفسي.

في فرنسا، عادت نسبة دخول المصحات بسبب الأمراض النفسية إلى نموها التاريخي منذ عام 1946، ولكنه لم يمكن تعويض النقص الهائل في العاملين بسبب الحرب حتى عام 1960. ويبدو لنا - في مفارقة اعتاد عليها تاريخ الجنون - أن المؤسسة هي من أوجدت هذه المهنة. فإذا كانت المصحات النفسية مزدحمة، فهذا لأنه ليس لدينا الكثير منها؛ ومن ثم يجب إنشاء مصحات أخرى. والأرقام تتحدث عن نفسها:

2

70500 مريض داخل المصحة عام 1916، 98000 عام 1954 و112000 عام 1962 ... في هذا التاريخ، ازداد عدد المرضى الرجال بطريقة هائلة (بلغ ضعف عدد النساء على الأقل)، دائما بسبب تأثير إدمان الخمور. ويجب أيضا الإشارة إلى زيادة عدد النساء المسنات؛ وذلك لسبب ديموغرافي بسيط وهو طول مدة عمرهن، مما يجعلهن أرامل وقت إصابتهن بالخبل (يكون أزواجهن قد ماتوا قبل ذلك الوقت).

في عام 1969، بلغ العدد 119000 مريض محتجز داخل المصحات النفسية (من أصل 160000 حالة دخلت إلى المصحة) (أي 0,25٪ من عدد السكان)، وفي هذا الوقت بدأت حالة من انخفاض الأعداد لم تتوقف حتى أيامنا هذه. وفي ذات الوقت انخفض مؤشر التكدس بصورة كبيرة (هناك مؤشر بالفعل للتكدس بمقارنة عدد المرضى المحتجزين بعدد «أسرة المرض»): 1,15 عام 1968 ليصبح 0,95 عام 1974. في هذا التاريخ، كان التقسيم بناء على نوع المريض والشريحة التشخيصية للمرض ويظهر في المقدمة حالات الفصام (27932) لتسبق بكثير التأخر العقلي (14508) والهذيان المزمن (14106). ويليهم إدمان الخمور (11826) (8938 حالة لدى الرجال و2888 لدى النساء)، في حين أن الفئات السابقة أظهرت توازنا أكثر بين الجنسين. في المقابل، يأتي إدمان الخمور في المركز الأول في حالات دخول المصحة: 22,5٪، وبمقارنة هذا الرقم بنسبة المرضى المحتجزين بالمصحة لإدمان الخمور وهي 10٪، يتضح لنا سرعة خروج المرضى المصابين به.

من عام 1952 وحتى 1962، تضاعف عدد الأطباء النفسيين في فرنسا سبع مرات، على الرغم من أن السكان لم يزيدوا إلا بنسبة 20٪. وكانت الحالة مشابهة في باقي الدول الغربية. وعادت مسألة تكلفة الصحة العقلية لتطرح من جديد. عام 1971 بمصحة بون سوفور يجب ألا يقل عدد العاملين عن 779 (كل العاملين بمن فيهم ستة أطباء مديرون للخدمة واثنا عشر متدربا) في مقابل 1110 مرضى. كان المرضى النفسيون في فرنسا يمثلون في ذلك الوقت 35٪ من عدد المرضى في المستشفيات العامة. وبالطبع، تكون تكلفة الإقامة لأسباب نفسية أكبر خمس مرات منها عن تكلفة يوم في غرفة الإنعاش، إلا إذا مكث هذا الشخص في غرفة الإنعاش لمدة عام، بل عامين أو ثلاثة. باختصار، إنه حتى في ظل الضمان الاجتماعي، لا يزال الطب النفسي مكلفا للغاية. وبغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، أصبح من اللازم تقليل عدد المرضى الداخلين وعدد أيام الاحتجاز (ولم تعد فكرة الإقامة لسنوات مطروحة!) أصبحت تكلفة اليوم هي الكلمة السحرية التي تتعلق كلها بالمصحة، ولكن يفوقها اتجاه معين للتقسيم يستقر ببطء. وساعدت هذه الأداة الرسمية للقياس على الأقل في ملاحظة أن الاحتجاز في المصحة للإصابات الخطيرة هو الأكثر تكلفة.

3

منذ عام 1952، قامت لجنة خبراء في الصحة العقلية تابعة لمنظمة الصحة العالمية بصياغة مبادئ جديدة تحكم بنية وعمل المصحات النفسية. ولقد أشارت هذه اللجنة تحديدا إلى «مدى إفادة كون هذه المصحات يغمرها طابع المجتمعات العلاجية.» وبعيدا عن الكلمات - التي لا تثبت شيئا في مجال توالت فيه التصريحات عن حسن النية دون انقطاع منذ عام 1785 - كان ما تغير بالفعل أنه منذ الخمسينيات أصبحت المصحة تعد حلقة هامة ولكن مؤقتة في سلسلة العلاج. أصبحت المؤسسات الضخمة والاحتجازات الطويلة سيئة السمعة (كهوف الثعابين). لم تختف المصحة النفسية، ولكن أصبحت تعد مركزا علاجيا انتقاليا: «من بين كل الحلول، تعد الإقامة الطويلة داخل المصحة هي الأكثر تكلفة. وتنطوي ضمنيا على رفض الجماعة نهائيا للفرد المريض، وتفرض على العاملين عملا لا أمل من ورائه في أي نتائج علاجية، بل وتحكم على المريض بتفاقم حالته.»

4

ولكن ما هي باقي الحلقات في سلسلة العلاج؟ في البداية يأتي العلاج في المكان (العلاج المتجول)، أو في الأسرة، ثم تأتي العيادة النفسية ومركز العلاج المبكر (به أسرة)، ولكن يسبقه وحدة العلاج النفسي داخل أي مستشفى «عام »، ثم مصحة النهار (يبيت المرضى ويقضون نهاية الأسبوع في منازلهم). وبعد تدخل كل هذه الخطوات المتنوعة، يأتي دور المصحة النفسية إذا تطلب الأمر. تقوم الفكرة على أن الاستشارة المبكرة تتوقع، بل وتقي إذا أمكن، من الاحتجاز التقليدي. ويوفر فريق العمل النفسي (أطباء نفسيون وممرضون متخصصون وعلماء نفس إكلينيكيون ومعالجون بالعمل وأخصائيون اجتماعيون ومربون ومتطوعون، وغيرهم) استمرار الرعاية في «جو مشجع نفسيا.» فيجب أن يستشعر المريض الأمان، وأن يسعد بالحميمية النسبية بفضل «وحدات الإقامة» (لا يعجز الطب النفسي أبدا عن اختراع تسميات جديدة) وهي تضم من عشرين إلى ثلاثين سريرا، وأحيانا أقل في حالات المرضى الصعبين الذين يعانون في توجيههم. ويجب أن تحترم تلك النسبة من قبل الوحدة النفسية داخل المستشفى العام، وأيضا من قبل المصحة النفسية المتخصصة التي يجب ألا تتجاوز الثلاثمائة مريض (هناك فكرة لجعل المكان يشبه القرية). لم يعد هناك مهجع، بل غرف بها أربعة أو خمسة أو ستة أسرة، وبها مكان مخصص للمريض ليزينه بحسب رغبته، ودولاب خاص به يغلق بمفتاح.

Unknown page