228

Tarikh Junun

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

Genres

بعد عشرة أعوام من هذه التصريحات الفخورة، في الوقت الذي بدأت ممارسات الطب النفسي السوفييتي تغري نظيره الأمريكي، لدرجة أنه استوحى منها طرق العلاج السلوكي، ظهر في بريطانيا كتاب «بلوبوتل» (لاموش، 1963)، الذي ينتقد بضراوة الحياة والنظام في الاتحاد السوفييتي بتوقيع من إيفان فاليري. كان في الحقيقة اسما مستعارا فرضه الناشر، ولكنه كان معروفا في الاتحاد السوفييتي بأنه لفاليري تارسيس، الكاتب والمترجم الذي أعلن بقوة معارضته للنظام. وبعد عامين من ظهور «بلوبوتل»، تم القبض على تارسيس واحتجز بمصحة كوشينكو للأمراض النفسية بموسكو. وعلم أنتوني دي ميوس - محرر ومترجم «كتابات ساميزدات» والوسيط بين تارسيس وناشره البريطاني - سبب احتجازه في مصحة الأمراض العقلية: «قرأ أحدهم على نيكيتا خروشوف «لاموش»؛ حيث كتب تارسيس أن الثقافة بالنسبة للرجل الأعظم في الكرملين تقتصر على زراعة البطاطس والذرة. فاستشاط خروشوف غضبا وأعلن أن تارسيس هذا لا بد من أن يكون مجنونا. ولقد نفذ الشهود على المشهد كلامه حرفيا، وبعد بضعة أيام وجد تارسيس نفسه في مصحة الأمراض العقلية بموسكو، وظل هناك لستة أشهر.»

68

بالطبع، يجب أن نتساءل حول صحة هذه القصة، «الجميلة بصورة مبالغ فيها».

فالاحتجاز النفسي للمعارضين ليس بالأمر الآمن، بما أن شهادة تارسيس في كتابه «الغرفة رقم 7»

69 (في إشارة واضحة إلى رواية تشيكوف «الغرفة رقم 6») قد بلغت أقصى جنبات العالم. «كان العصابيون والفصاميون والمصابون بجنون العظمة والهوس والمكتئبون كلهم تتم معالجتهم باستخدام الأمينودين العلاج العام كزيت الخروع في «الغرفة رقم 6» لتشيكوف .» وفجأة اكتشف الغرب في ذهول أنه يوجد معسكرات اعتقال نفسية للمعارضين. «كانت رواية «القاعة رقم 7» بمنزلة فلك نوح الذي وجدت فيه كافة أنواع الخليقة. وكانت الأنواع المذكورة في الرواية تنقسم أساسا إلى ثلاثة: أولا أصحاب محاولات الانتحار الفاشلة الذين يتم تصنيفهم كمجانين باعتبار أن من لا يكون سعيدا بالفردوس الاشتراكي لا بد من أنه مجنون [...] وكانت تتم معالجته على مدار شهور باستخدام الأمينودين، وأحيانا لسنوات. كان البعض يعتاد عليه ويرفض التخلي عنه. كان بعضهم من ذوي المزاج المتشائم يقول: «ربما الوضع بالخارج أسوأ» [...] أما المجموعة الثانية من حيث الأهمية، فكانت مجموعة «الأمريكيين» أو الأشخاص الذين حاولوا الاتصال بسفارة أجنبية أو بسائحين في العالم الحر. والأشجع بينهم هم الذين جاهروا برغبتهم في الهجرة إلى الخارج. وأخيرا كانت هناك فئة الشباب دون أي تعريفات أكثر إيضاحا، ويبدو أنهم من فشلوا في أن يجدوا لأنفسهم مكانا في مجتمعنا فرفضوا مبادئه. ربما لا يزالون لا يدرون ماذا يريدون، ولكنهم يعرفون بالتحديد ما لا يريدون [...] لم يكن هناك في الواقع مرضى ولا أطباء، فقط سجانون مهمتهم حراسة المواطنين المتكدسين.»

ولا يمكن عزل حالة تارسيس؛ والدليل على ذلك قضية بوكوفسكي التي أثارت ضجة كبيرة. ولد فلاديمير بوكوفسكي عام 1942، وتم إرساله من يونيو 1963 وحتى فبراير 1964 إلى مصحة الأمراض النفسية لقيامه بتنظيم لقاءات شعرية في وسط موسكو أسفل تمثال مايكوفسكي (الشاعر الثوري المحبط، فبعد إيمانه بتحرير الفرد، انتحر عام 1930). عام 1967، ألقي القبض ثانية على بوكوفسكي لدفاعه عن المعارضين. ثم أفرج عنه عام 1970، وتمكن من إرسال مجموعة كتابات إلى الغرب يتحدث فيها عن المعاملة السيئة داخل المصحات النفسية، مطلقا حملة للرأي من الغرب إلى الشرق. وها هو يعتقل ثانية. ونشر بالتعاون مع زميله في الزنزانة - طبيب نفسي - «دليل الطب النفسي للممرضين» و«مرض عقلي جديد في الاتحاد السوفييتي: المعارضة».

70

في ديسمبر 1976، أفرج عنه بالتبادل مع زعيم شيوعي قديم من شيلي مسجون في الغرب. ثم جاء واستقر في كامبريدج. وفي مواجهة الصحافة الغربية التي تهاجمه، أجاب: «لست من معسكر الرجعيين ، ولست من معسكر الثوريين، أنا من معسكر الاعتقال.»

عام 1975، أثناء عيد الإنسانية، أعلن بونافيه رفضه وتنديده بالاستخدام القمعي للطب النفسي بالاتحاد السوفييتي. (عام 1949، كان من الموقعين «رغما عنه» على البيان الشيوعي «التحليل النفسي والأيديولوجيا الرجعية» - كان الاتحاد السوفييتي بعد انهيار الرايخ الثالث قد حرم التحليل النفسي.) أما ساس - أكثر من سار ضد التيار - فقد اعتقد أنه فيما يتعلق «باستخدام الطب النفسي»، لم يقدم الغرب دروسا تحتذى. فالفرق بين الاتحاد السوفييتي والعالم الغربي ليس إلا درجة استغلال الطب النفسي فقط. «لم نصل بعد إلى هذه الدرجة، ولكن في الشرق كما في الغرب، يكون الأطباء النفسيون عملاء للدولة.»

71

Unknown page