Tarikh Junun
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Genres
ECT . ولكن تطورت بشدة طريقة إخضاع المريض له: يكون المريض تحت التخدير الكلي، ويصاحبه علاج آخر للحد من آثاره الجانبية. وتكون موافقة المريض «الواعية» إجبارية، وإذا كان في حالة لا تخوله الموافقة، فيجب أن يوافق الوصي القانوني عليه. وعلى الرغم من الجدل، تبلغ حالات العلاج الإليكتروكونفولسيفي في فرنسا سبعين ألف مرة سنويا، ومائتي ألف مرة في بريطانيا عام 1999. ويعني هذا أن هذا النوع من العلاج لم يختف. وتظل المؤشرات عديدة: فعالية علاجية على المدى القصير في حالات الاكتئاب الشديدة، بل وأيضا على المدى المتوسط، سواء بمصاحبة أو كبديل عن علاجات دوائية أخرى. وبعيدا عن مؤشراته في علاج ما كان يسمى قبلا بالسوداوية، فلقد أثبت العلاج الإليكتروكونفولسيفي فعاليته في «استثارة أعراض الفصام»، وأيضا - ولكن بصورة أقل قطعية - في حالات الصرع المعقدة.
نخطئ إذا تخيلنا أن العلاج بالمياه البالغ من العمر ألفي عام قد تراجع بمجرد وصول العلاجات البيولوجية. في الستينيات والسبعينيات، أراد الطبيب النفسي الأمريكي مايكل وودبري أن يجدد بالطبع عندما ابتكر طريقة «التغليف»، وهي طريقة تقوم على لف المريض من ساعة إلى عدة ساعات في ملاءات مبللة بالماء البارد (ولكن دون خفض حرارته) على مدار عدة جلسات يومية. ويستخدم «التغليف» أساسا في حالات الذهان الحادة، ولا سيما الفصام. ومن المفترض أن يتسبب في خلق ظروف تسهل تراجع المرض، و«تساعد المريض على استعادة صورة جسدية عن طريق تحفيز حواسه وانفعالاته». ولقد نالت هذه الطريقة التي تستخدم في كل الأوقات - خاصة مع الأطفال المصابين بالتوحد أو الذهان
9 - انتقادات عنيفة. واعترضت الجمعيات التي تضم أهالي الأطفال المرضى: «أوقفوا سوء معاملة الأطفال المتوحدين!» في الواقع، جرى التوصل إلى شيء جديد اعتمادا على القديم، فقد كتبت الجريدة الساخرة «شاريفاري» - في العدد الصادر عام 1842: «يقوم (ممرضك) بتغطيتك بعناية في أغطية انتشلت حالا من أعماق إحدى الآبار، حيث ظلت هناك لمدة أربع وعشرين ساعة [...] ويتركك، وهو يقول لك بصوته العذب: «تصبح على خير يا سيدي، فلتنم وتعرق جيدا».»
كانت توجد أيضا طريقة معالجة التسمم الكحولي بواسطة إسبيرال (التي تسبب اضطرابات مؤلمة أثناء تعاطي الكحوليات). أما فيما يتعلق بعمل المريض عقليا، فأصبح يسمى «المداواة بالعمل». ظلت المهام كما هي في السابق، ولكن على العكس لم تعد موكلة إلى المرضى. إلا أن هذا الأمر لم يفلح، على الرغم من إيجاده لمهنة جديدة في مجال الرعاية الصحية: المعالج بالعمل. وتتضمن المداواة بالعمل الجماعي ألعابا وأنشطة ترفيهية؛ بهدف تيسير إدماج المريض في بيئته وزيادة استقلاليته، ولكن لم يفلح هذا الأمر أيضا.
الفصل الرابع
مناهضة الطب النفسي
الحديث عن مناهضة الطب النفسي يقودنا تلقائيا إلى الاستشهاد بأسماء مثل بازاليا وفوكو وساس وكوبر ولاينج ومجموعة مؤيديهم، الذين يقارب عددهم الخمسين فردا، والذين نشروا - خلال الستينيات والسبعينيات - مقالات شديدة اللهجة لانتقاد مؤسسة الطب النفسي التي لم تعد قادرة على فعل شيء. ولا يمكن اعتبار هذه الهوجة - ذات النتائج المدمرة بالنسبة إلى الطب النفسي التقليدي - ثورة مفاجئة. ففي الحقيقة، تعد حركة مناهضة الطب النفسي قديمة قدم الطب النفسي ذاته، ولقد بدأت مظاهرها خلال القرن الذهبي للمصحات العقلية. إلا أن المؤسسة الطبية النفسية - على عكس الستينيات والسبعينيات - كانت في ذلك الوقت مؤسسة صلبة.
حركة مناهضة الطب النفسي قديمة قدم الطب النفسي
نظرا لعدم إظهار الإمبراطورية الثانية ميلا لتشجيع المعارضة السياسية أو الاجتماعية، فقد كانت المطبوعات المناهضة للطب النفسي نادرة، ولم تكن تلقى قبولا واسعا. ولكن يلاحظ على الرغم من ذلك وجود بعض الكتابات الطبية، مثل «عزل المجانين في مصحات للأمراض العقلية، والأثر السلبي على هؤلاء، وعدم كفاية الحماية التي يوفرها القانون للمريض عقليا» بقلم الطبيب تورك عام 1864. ولكن اختلف الوضع تماما مع الأعوام الأولى للجمهورية الثالثة؛ حيث نجد الصحافة المعارضة تهاجم بضراوة قانون 1838 وتنتقد المصحات العقلية، على إثر بعض القضايا المثارة حينها حول الحبس التعسفي. وفي أكتوبر 1879، شنت مجلة «المصباح» - التي اشتهرت منذ عددها الأول عام 1868 بفضل «الستة والثلاثين مليون موضوع، إلى جانب موضوعات أثارت الاستياء» - حملة ضد مصحات الأمراض العقلية.
1 «لم نعد نسمع أصوات صرير الأبواب الثقيلة ذات المفصلات الصدئة: تم تزييت كل المفصلات.» كان قانون عام 1838 هو محط الهجوم: «وضع هذا القانون ليس لصالح مرضى الاعتلال العقلي، وإنما لصالح عائلاتهم. دائما ما يسيطر النظام على المنظومة الاجتماعية: دائما تكون التضحية بالفرد لصالح أي جماعة، وكأن هذه الجماعات ليست مكونة من أفراد!» ويرد أطباء الأمراض العقلية: «أما عن الأطباء، فأعتقد دوما أنه لا يوجد إلا القليل جدا منهم الذي قد يلجأ إلى مناورات غير شريفة ليحرم فردا من حريته تحت ادعاء المرض العقلي» (هنري داجونيه بسانت آن، كان لجريدة «المصباح» بالضرورة مراسلون يمدونها بالمعلومات). ولم يعد الطبيب - المسلح بقانون عام 1838 - محطا للتأنيب أو السخرية: «فلم يكن الطبيب كامباني - وكله ثقة - يقبل بإدخال أي شخص يقدم إليه على أنه مريض عقليا، سواء برضاه أو رغما عنه. ولم يفته إلا أمر واحد، وهو أن يقدم نفسه كنمط «المتفاخر المغرور». صحيح أنه وفقا لما ذكره، إذا أردت أن تكون مجنونا مفكرا، فلا بد من أن تكون ذكيا. إن تشدده في البحث عن هذه الصفة الأخيرة، كان يضمن له عدم الخطأ في تشخيص مرضاه.»
Unknown page