34

Tārīkh Arbīl

تاريخ اربل

Editor

سامي بن سيد خماس الصقار

Publisher

وزارة الثقافة والإعلام،دار الرشيد للنشر

Publisher Location

العراق

كان على غاية ما يكون عليه، زاهد (ح ح) مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، يَقِفُ الْمُلُوكُ بِبِابِهِ فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْهِ، وَإنْ أَذِنَ لَهُمْ جَلَسُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، لَمْ يَدْعُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا بِاسْمِهِ، وَلَمْ يُعَامِلْهُ إِلَّا بِمَا يُنَافِي قَاعِدَةَ رَسْمِهِ. سُمِعَ عَلَيْهِ الْحَدِيثِ بِالْمَوْصِلِ واربل وغيرهما. إِلَّا أَنَّهُ كَانَ بِإِرْبَلَ أَقَلَّ إِسْمَاعًا. حَضَرْتُ فِي بَعْضِ قَدَمَاتِهِ وَسَأَلْتُهُ السَّمَاعَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَفْعَلُ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ- فَإِنِّي قَدْ وَصَلْتُ وَأَنَا فِي تَعَبِ الطَّرِيقِ. فَسَأَلْتُهُ: الْإِجَازَةَ، فَتَلَفَّظَ لِي بِهَا. ثُمَّ مَنَعَتْ عَنْ لِقَائِهِ مَوَانِعُ، فَسَافَرَ مِنْ إِرْبِلَ وَغَابَ عَنْهَا غَيْبَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ عَادَ فَمُنِعَ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ الْبَتَّةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ مَرَّةً فَرَأَيْتُ رَجُلًا/ قَدْ نَهَكَتْهُ الْعِبَادَةُ، كَانَ يَأْكُلُ فِي كُلِّ شَهْرٍ نصف مكوك (أ) حِنْطَةً يَحْمِلُهُ فُتُوتًا وَيَنْقَعُهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ عِنْدِ إِفْطَارِهِ وَيَأْكُلُهُ فِي زُبْدِيَّةٍ خَضْرَاءَ مَخْرُوشَةٍ فَانْكَسَرَتْ مِنْهَا قِطْعَةٌ كَبِيرَةٌ، فَقُلْتُ لِلْقَيِّمِ بِأَمْرِهِ: وَلِمَ لَا يَشْتَرِي الشَّيْخُ عِوَضَهَا؟ فَقَالَ: قد اسْتَأْذَنْتُهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:
هَذَهِ تَكْفِينِي إِلَى أَنْ أَمُوتَ، فَمَاتَ وَلَمْ يَأْكُلْ فِي غَيْرِهَا. وَكَانَ مَأْكُولُهُ مِنْ غَلَّةِ مِلْكٍ لَهُ، وَكَانَ يَأْكُلُ مَعَهُ يَسِيرًا مِنَ الزَّبِيبِ الْأَسْوَدِ.
وَأَقَامَ بِإِرْبَلَ إِلَى أَنْ مَاتَ- ﵀ وَلَمْ يَنَمْ صَيْفًا أَوْ شِتَاءً إِلَّا دَاخِلَ الدَّارِ الَّتِي كَانَ فِيهَا، لَمْ يَخْرُجْ إِلَى سَطْحٍ وَلَا إِلَى سَاحَةٍ، وَلَا أُوقِدَ عَنْدَهُ سِرَاجٌ قَطُّ.
كَانَ- فِيمَا بَلَغَنِي- يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْكَرِيمَ بَيَدِهِ مِنْ حِفْظِهِ، وَكَانَ تَحْتهُ بَارِيَةٌ صَغِيرَةٌ (ب) وَعَلَيْهَا تُوُفِّيَ. فَحَضَرَتْهُ وَقَدْ مَرِضَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي أَوَّلِ مَرَضِهِ وَسُئِلَ الدُّعَاءَ لِي، فَدَعَا لِي- ﵀ وَكَانَ صَائِمًا فَلَمْ يُفْطِرْ حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَرَضُ، وَكَانَ يُعْطَى الثَّلْجَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ. وَكَانَ تَحْت رَأْسِهِ لَبِنَةٌ فَسُئِلَ تَغْيِيرَ هَذَهِ الْحَالَةِ فَأَبَى، فَلَمَّا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِ جُعَلَ تَحْتهُ كِيسَ خَامٍ محشوة. فلم يزل على هذه الحال الى أَنْ تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ الَّتِي صَبِيحَتُهَا عَاشِرُ شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعَينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَدُفِنَ ضَاحِيَ نَهَارِهِ بِالْمَقْبَرَةِ الْعَامَّةِ (١١) ظَاهِرَ إِرْبِلَ مَنْ شَرْقِيِّهَا، وَكَانَ يَوْمُ دَفْنِهِ مَشْهُودًا. نَزَلَ إِلَى قَبْرِهِ وَأَلْحَدَهُ الْفَقِيرُ إِلَى اللَّهِ- تَعَالَى-

1 / 39