200

Tarikh Haraka Qawmiyya Fi Misr

تاريخ الحركة القومية في مصر القديمة: من فجر التاريخ إلى الفتح العربي

Genres

وقد رأى قيرس (المقوقس) خطورة الموقف إذا استؤنف القتال، فإن العرب وهذه حالهم من الإيمان والشجاعة لا سبيل إلى ردهم عن قصدهم.

فمالت نفسه إلى الصلح، ورأى العرب تحصرهم حينذاك مياه النيل قبل أن يهبط الفيضان، ثم إذا هبط يتحسن موقفهم ويستطيعون السير أينما شاءوا.

فأرسل إلى عمرو أن يبعث إليه جماعة من ذوي الرأي؛ ليتفاوض معهم على ما عساه أن يكون صلحا.

فبعث عمرو بعشرة رجال أحدهم «عبادة بن الصامت»، وكان أسود شديد السواد، وأمره أن يكون المتكلم في الوفد، وألا يجيب الرومان إلى شيء دعوه إليه إلا إحدى هذه الخصال الثلاث.

فركب العرب السفن إلى جزيرة الروضة، فلما دخل عبادة بن الصامت على قيرس (المقوقس) هابه لسواده وفرط طوله، وقال: «نحوا عني هذا الأسود وقدموا غيره يكلمني.»

فقال العرب جميعا: «إن هذا الأسود أفضلنا رأيا وعلما، وهو سيدنا وخيرنا والمقدم علينا، وإنما نرجع جميعا إلى قوله ورأيه، وقد أمره الأمير وأمرنا أن لا نخالف رأيه وقوله.»

فدهش المقوقس من هذا الجواب؛ لأن الرومان قد اعتادوا على التفرقة العنصرية، ودهش من أن العرب لا يفرقون بين الأسود والأبيض.

فتكلم عبادة وقال: «إن فيمن خلفت من أصحاب ألف رجل أسود كلهم أشد سوادا مني، وإني بحمد الله ما أهاب مائة رجل من عدوي لو استقبلوني جميعا، وكذلك أصحابي، وذلك إنما رغبتنا وهمتنا الجهاد في الله واتباع رضوانه، وليس غزونا عدونا ممن حارب الله لرغبة في الدنيا ولا طلب للاستكثار منها؛ لأن غاية أحدنا من الدنيا أكلة يأكلها يسد بها جوعه لليله ونهاره، وشملة يلتحفها؛ لأن نعيم الدنيا ليس بنعيم، ورخاءها ليس برخاء، وإنما النعيم والرخاء في الآخرة.»

فقال المقوقس لعبادة بن الصامت: «أيها الرجل الصالح، قد سمعت مقالتك وما ذكرت عنك وعن أصحابك، ولعمري ما بلغتم ما بلغتم إلا بما ذكرت، وما ظهرتم على من ظهرتم عليه إلا لحبهم الدنيا ورغبتهم فيها، وقد توجه إلينا لقتالكم من جمع الروم ما لا يحصى عدده ، قوم معروفون بالنجدة والشدة، ما يبالي أحدهم من لقي ولا من قاتل، وإنا لنعلم أنكم لن تقووا عليهم ولن تطيقوهم لضعفكم وقلتكم، ونحن تطيب أنفسنا أن نصالحكم على أن نفرض لكل رجل منكم دينارين، ولأميركم مائة دينار، ولخليفتكم ألف دينار فتقبضونها وتنصرفون إلى بلادكم قبل أن يغشاكم ما لا قوة لكم به.»

24

Unknown page