Tarikh Haraka Qawmiyya Fi Misr
تاريخ الحركة القومية في مصر القديمة: من فجر التاريخ إلى الفتح العربي
Genres
في كتابه «الفتح العربي لمصر»: «وفي الحق لم يكن في بلاد الدولة الرومانية ما هو أشقى حالا من مصر؛ فقد سعى «جستنيان» جهده ليجبر الأقباط الذين ليسوا على مذهب الدولة «الأرثذكسي» فيدخلهم في ذلك المذهب، ولكن امرأته (تيودورا) عملت من جانبها فأفسدت بعض سعيه؛ إذ كانت تعطف على مذهب هؤلاء الأقباط عطفا ظاهرا، على أن ذلك العطف ما عتم أن قضى عليه الإمبراطور جستنيان وعفى أثره، ومن ثم عاد الكفاح الشديد الذي ثار قديما بين طائفتي «الملكانيين»
5
والمونوفيسيين (اليعاقبة وهم عامة أهل مصر) وصار أشد سعيرا، ولم يكن عند أقباط مصر هم أكبر منه يملأ قلوبهم ويملك عليهم آمالهم، فلم يكن عجبا أن يسمع صليل السلاح بين حين وآخر في مدينة الإسكندرية نفسها (العاصمة)، ولم يكن عجبا أن تضطرب الأحوال في مصر السفلى فتصبح ميدانا للشغب، تثور بها فتن بين الطوائف توشك أن تكون حربا أهلية، ولم يكن عجبا أن يكون هذا في بلاد أصبح الحكام فيها لا هم لهم إلا أن يجمعوا المال لخزائن الملك البيزنطي وحاشيته، وأن تكون لمذهبهم الديني اليد العليا بين أهل البلاد، فصار الحكم على أيديهم أداة لا تؤدي إلا إلى الظلم ونشر الشقاء، فالحق هو أن بلاد مصر إذ ذاك كانت جميعها تضطرم بنار الثورة ورغبة الخروج، لا يحجبها إلا غطاء شفاف من الرماد.»
6
وقال بتلر في موضع آخر: «أرسل الإمبراطور هرقل إلى نيقتاس يثبته في حكم الإسكندرية، وإن شئت قلت إنه جعله نائبا عن الملك في مصر، فكان هم «نيقتاس» أن يعيد للحكم المدني الروماني نظامه، وأن يعيد للجيش الروماني كيانه، وكان هذان أداتي الدولة الرومانية تحتفظ بها بملك مصر، وكان الحكم المدني والجيش كلاهما في يد السادة الحاكمين، ليس فيهما أحد من أقباط مصر أهل البلاد.»
7
وقال أيضا: «إن حكومة مصر في عهد الرومان لم يكن لها إلا غرض واحد، وهو أن تبتز الأموال من الرعية لتكون غنيمة للحاكمين، ولم يساورها أن تجعل قصد الحكم توفير الرفاهية للرعية وترقية حالة الناس والعلم بهم في الحياة، أو تهذيب نفوسهم، أو إصلاح أرزاقهم، فكان الحكم على ذلك حكم الغرباء لا يعتمد إلا على القوة، ولا يحس بشيء من العطف على الشعب المحكوم.»
8
وكان في يد الحكام عاصمة البلاد الإغريقية «الإسكندرية»، كما كان في يدهم العاصمة المصرية القديمة «منف»، وحصنها العظيم «حصن بابلون» الروماني على الشاطئ الشرقي من النيل، وكذلك كانوا يملكون مدائن عدة حصينة يلي بعضها بعضا بين أسوان في الجنوب والفرما في الشمال، وكان جند الحكومة وجباة ضرائبها ينتشرون بين تلك المدائن يظهرون هيبة السلطان ويجمعون الأموال، على حين كان تجار الروم واليهود يحلون حيث شاءوا تحميهم جنود الربط ينافسون الأقباط في التجارة منافسة شديدة.
9
Unknown page