حتى يموت بعد عذاب طويل مما لم يسمع بمثله في أظلم حكومات العالم الماضية، وإذا غضبوا على امرأة وضعوها في الخيشة
24
وألقوها في العاصي
ومن البدع التي كانت المصادرة فربما جاءت جنود الحاكم فنهبت بيت البعض ولا يدري ما ذنبه. وقد يجاء بالإنسان فيطلب منه مال معين فإما أن يدفعه وإما أن يقع تحت العذاب. لهذا كان كل إنسان يكتم الغنى ويظهر الفقر، ويلبس الثياب الرثة، ويدفن ماله تحت الأرض وبين حجارة الجدار، وربما مات فجأة ولم يعلم أولاده أين وضع ماله، حتى إذا اشترى أحد تلك الدار وحفر في أرضها لبناء وجد المال المدفون.
كانت العساكر إذا قدمت إلى حماة تنزل في البيوت رغما فكان السكان يعملون باب الدار صغيرا جدا حتى لا يستطيع الجندي أن يدخل حصانه في الدار. كان النهب بأسباب الحروب كثيرا فكان السكان يعمل كل منهم في بيته بئرا يضع فيه مواعينه وأشياءه حين النهب ويسد فم البئر بحجارة وتراب حتى لا يعرف فإذا اطمأن أخرج ما يحتاجه.
دام هذا الحال حتى هاجر أكثر الحمويين إلى دمشق والبعض إلى حلب أو حمص أو طرابلس فتناقص عمرانها وسكانها وصارت شبه قرية. ثم جاء إبراهيم باشا المصري فزاد البلاء، واحتقر الناس حتى كأنهم أنعام فكان يحشرهم للأعمال الشاقة كبناء الثكنة العسكرية في الحاضر، ويسوقهم للحرب بغير ترتيب فيقبض على كل من يجده في البلد، فكانوا يفرون منه إلى رءوس الجبال وتارة يختبئون في الآبار، وربما قلع الإنسان عين نفسه أو قطع إصبعه ليعفى من الخدمة العسكرية، فلم يبق في حماة وباديتها إلا القليل ولهذا ألحقت في حمص.
ثم تنبهت الحكومة لعمران البلدان، وارتبط المأمورون بمركز المملكة فزال ما كان من الضغط، وعرف كل إنسان ما له وما عليه فتزايد عمران حماة وكثر ساكنوها، وجعلت مركز اللواء، وألحقت بها حمص والعمرانية وسلمية حتى هذا الزمن، ولا يعلم بعد ما يكون سوى خالق النسم جل شأنه.
هوامش
حماة القديمة
ذكرنا - فيما سبق - أن حماة كانت قسمين: قسم في محلة باب الجسر، وقسم في المدينة. نظرا لارتفاع المدينة عن باب الجسر كانت تسمى القسم الأعلى وسوقها السوق الأعلى وكذا جامعها كان يسمى الجامع الأعلى، وكانت مسورة بسور من الحجر الأبيض عظيم يمتد إلى تل العريصة، وله أبواب عديدة منها باب النصر، وباب المغار، وباب النهر، وباب العميان، وباب الغربي، وباب القبلي. وكان لمحلة باب الجسر سور يحيط بها من جهة والعاصي يحيط بها من الجهة الأخرى، وعلى العاصي الجسر الكبير له باب من جهة الشمال الغربي وباب آخر في مبدأه من جهة القبلة، ولسورها أبواب منها باب تدمر، وباب النقفي، وباب حمص. قال ياقوت الحموي: يحيط بحماة سور محكم، وبظاهر السور حاضر كبير جدا فيه أسواق كثيرة، وجامع مفرد مشرف على نهرها المعروف بالعاصي.
Unknown page