ثم إن التتر عادوا إلى حلب محاربين ففرت عساكرها إلى حماة ونزلوا ضيوفا عند ملكها مدة ثم رحلوا إلى حمص، وسارت عساكر التتر قاصدة حمص فرحل ملك حماة وكبراؤها وعسكرها إلى حمص، وجاءت إلى حمص عساكر دمشق أيضا فالتقت الجموع في شهر محرم سنة 695، وكان التتر أكثر من المسلمين - وكانت الواقعة في ظاهر حمص - فانتصر المسلمون عليهم، وفر التتر وقتل منهم ألوف لكنهم خيموا على سلمية، ثم قصدوا حماة - وكان ملكها وعساكرها قد عادوا إليها - فحاصرها التتر يوما واحدا، ثم تركوها ورحلوا عنها إلى فامية قرب قلعة المضيق فأظهر أميرها بسالة وطفق يشن الغارة عليهم كل يوم حتى رحلوا عنها.
وفي سنة 664 أرسل الملك الظاهر بيبرس عسكرا عظيما من دمشق، وكتب للمنصور ملك حماة أن يرأسهم ويسير وإياهم لغزو بلاد الأرمن فسار هو وأخوه الأفضل إلى سيس وجهاتها، والتقوا بالأرمن فكسروهم وأسروا ابن صاحب سيس، ثم عادوا فاستقبلهم الظاهر إلى فامية ثم عاد معهم إلى حماة ثم سار منها، وبعد برهة رجع إليها، وأرسل العسكر لفتح مصياف وأخذها من الإسماعيليين ففتحوها عنوة.
وفي سنة 672 رحل الأمراء من حماة ورحل ملكها إلى دمشق خيفة من التتر؛ لأنهم كانوا قد لموا شعثهم وعادوا إلى البلاد الشامية للغارة عليها لكن في المرة الأخيرة لم يكن حرب.
وفي سنة 680 على زمن مملكة السلطان قلاوون الصالحي جاء «منكوتمر» ابن هولاكو بجيوش من التتر لا يحصيها عد، فسار إليه ملوك المسلمين وأمراؤهم بالعساكر بأمر قلاوون الصالحي، وسار ملك حماة بعسكره، فرتب قلاوون المحاربين فجعل عساكر حماة في الميمنة والتركمان في الميسرة، والتقى الجمعان بظاهر حمص في الساعة الرابعة من يوم الخميس 14 رجب، فانتصر قلب المسلمين، وكانت ميسرة التتر قد انتصرت أيضا ففر التركمان أمامهم، وتبعهم التتر فدخلوا حمص يقتلون من رأوه، لكنهم علموا بعد ذلك أن قلب الجيوش الإسلامية منتصر وأن التتر ولوا الأدبار فعادوا وتبعوا رفقاءهم، وركب المسلمون أقفيتهم يقتلون، فكان النصر عظيما امتلأت به البلاد سرورا وزينت له المدن ثم عاد كل ملك إلى بلده بعسكره.
وفي سنة 683 في شوال توفي الملك المنصور محمد صاحب حماة ابن الملك المظفر محمود بن الملك المنصور محمد بن الملك المظفر عمر بن شاهنشاه بن أيوب - ومدة ملكه إحدى وأربعون سنة وخمسة أشهر وأربعة أيام - فلما بلغ قلاوون خبر موته قرر مكانه ابنه الملك المظفر محمود على حماة وتوابعها المعرة وبعرين، ثم أمره بالمسير معه إلى المرقب - وكان قلاوون قد حضر إلى فتحها - فسار ملك حماة وعمه الأفضل ومعهم المؤرخ الشهير أبو الفداء فنازلوا المرقب وفتحوها بعد أن أمنوا أهلها وأخرجوهم منها، ثم قصدوا فتح طرابلس فساروا إليها وحاصروها واشتد الحصار وأخيرا فتحوها بالسيف ظافرين وكان النصر فيها عظيما وذلك سنة 687، ثم عاد الملك المظفر محمود إلى حماة ومعه عمه وبقية الأمراء والعساكر.
وفي سنة 690 سار ملك حماة إلى عكا ليحضر فتحها مع السلطان قلاوون - وكان مسيره في آخر فصل الشتاء - ومعه العساكر والمنجنيق الكبير تحمله مائة عجلة حول كل عجلة عشرة رجال، فرأوا عناء شديدا لعظم البرد حتى وصلوا إلى عكا وحاصروها واشتد القتال حولها، فكانت منزلة الحمويين في رأس الميمنة على عادتهم، فكانوا من جهة البحر وعن يمينهم عكا؛ فكان منجنيق الأعداء يرميهم من عكا ومن البحر، وطال الحصار عليها وبعد برهة فتحت عنوة وقتلوا أهلها كلهم، ثم هدمها قلاوون إلى الأرض فجعلها دكاء، ثم ظلوا يفتحون السواحل بلدا بعد بلد حتى دخلت كلها تحت حوزة المسلمين - وعد ذلك توفيقا عظيما - ثم قفل كل ملك إلى بلده.
وفي سنة 691 سار السلطان قلاوون من مصر قاصدا فتح قلعة الروم فوصل إلى الشام ومنها سار إلى حماة فخرج ملكها لاستقباله هو وعمه فاجتمعا به ثم سبقاه وهيئا له ما يليق به من الضيافة، ولما وصل إلى حماة ضرب سرادقه في جهة الشمال منها عند قناة سلمية،
14
فأخرج له المنصور من الطعام الفاخر ما يكفيه وعساكره المصرية والشامية وجعل الطعام في أرض الميدان،
15
Unknown page