12
ثم عاد المظفر إلى حماة، وأرسل للملك الكامل يطلب منه أن يأذن له بانتزاع مدينة بعرين من أخيه الناصر، فأذن له فسار إليها وحاصرها، فلم يقدر الناصر على مقاومته فنزل إليه وسلمه البلد، فأكرمه أخوه المظفر ولاطفه وسأله الإقامة في حماة فأبى، وسار إلى الكامل فأكرمه ثم بلغه عنه ما يغيظه فسجنه ومات سجينا.
وفي سنة 631 قدم الملك الكامل من مصر قاصدا بلاد الروم لمحاربة ملكها كيقباذ بن كيخسرو لامتلاك بعض بلاده، فنزل الكامل شمال سلمية، وكتب لملك حماة أن يتهيأ للمسير معه فسار بعسكره من حماة، ولم يبق ملك من ملوك الشام إلا وقد سار معه، وسار أمام الجميع الملك المظفر صاحب حماة بألفي محارب إلى خرتبرت، فخرج إليهم ملك الروم واقتتلوا، فهرب عسكر الكامل، وحصر المظفر مع عسكره في خرتبرت، وشدد كيقباذ عليه الحصار، وكان مركز الكامل في السويداء، فبلغه أن ملك حمص سعى إلى الملوك الذين هم بصحبة الكامل فأفسد نياتهم فتقاعدوا عن القتال، فلم يشأ الكامل أن يظهر ما يكنه ضميره فأغضى على قذى، ولم يعد في إمكانه نجدة ملك حماة، فطلب حينئذ المظفر مع عساكره الحمويين الأمان، فأمنه كيقباذ وأكرمه وخلع عليه ونادمه وأقامه عنده ضيفا يومين، ثم رجع مع الكامل فنزل المظفر على المعرة، وشرع في بناء قلعة المعرة وأتمها على هيئة جميلة وأودعها كمية عظمى من سلاح وذخائر.
وفي سنة 635 توفي الأشرف ملك دمشق فملك بعده أخوه الصالح، وكتب لملك بلاد الروم وحلب وحمص أن يكونوا معه لمحاربة أخيه الكامل ملك مصر وبلاد سوريا، فأجابوه إلى ذلك وامتنع ملك حماة، وقد وصل الخبر إلى الكامل فجد المسير بعساكره حتى حاصر دمشق، وكانت الجنود قد قدمت من حمص نجدة لملك دمشق فقبض الكامل عليهم وشنقهم بين البساتين، وأرسل توقيعا لملك حماة بانتزاع سلمية من ملك حمص، فأرسل المظفر إليها نوابه فتملكوها. ثم إن ملك دمشق أذعن لملك مصر وسلمه دمشق فعوضه عنها بعلبك. وجهز الكامل ملك مصر عساكره للانتقام من شيركوه صاحب حمص، وكتب إلى صاحب حماة أن يسير بعساكره لينضم إلى عسكر الكامل، فبرز من حماة وخيم على الرستن، فخاف شيركوه جدا، غير أن الكامل لحقه المرض فتوفي في دمشق وللحال رحلت عساكره عن حمص، وعاد المظفر إلى حماة بعدما حاصر حمص.
وفرح شيركوه بذلك فرحا عظيما، وأرسل عساكره إلى سلمية فطردوا نواب ملك حماة منها، وقطعوا ماء القناة التي كانت تجري من سلمية إلى بساتين حماة، فيبست البساتين ولحق الحمويين بذلك ضرر فاحش، ولم يكتف ملك حمص بذلك بل أرسل فعلة من حمص إلى البحيرة فبنى تجاه الماء سدا عظيما حول به ماء العاصي عن حماة إلى الأودية؛ فوقفت النواعير وكاد الماء أن ينفد منها لكن الماء هدم السد وتحامل بكليته وعاد إلى مجراه الأصلي، كل ذلك كان انتقاما من ملك حماة لمعاونته الملك الكامل.
كذلك اغتاظ توران شاه بن صلاح الدين ملك حلب من المظفر ملك حماة لموافقته للملك الكامل ، فأرسل من حلب جيشا عظيما لينتقم به من الحمويين وملكهم، فوصل الجيش للمعرة وافتتحها وخرب قلعتها العظيمة التي كان قد بناها المظفر وأودعها الذخائر وولى عليها نائبا من قبله. ثم سار توران شاه بجنوده إلى حماة فحاصرها، ونهبت عساكره ما قدرت من أطراف المدينة، وطال الحصار حتى ضاق الخناق وأتلفت أموال كثيرة لا تحصى.
ثم رحل توران شاه بعساكره إلى حلب، ولم يبق من توابع حماة سوى بعرين، فإن سلمية انتزعها ملك حمص، والمعرة انتزعها ملك حلب، فخشي ملك حماة أن تذهب بعرين أيضا، فأمر بهدم قلعتها للأرض فهدمت، ثم سار ملك حماة إلى دمشق بعسكره نجدة للملك الصالح للاستيلاء على دمشق وبعد ذلك عاد إلى حماة وفي عوده حاصر حمص ثم رحل عنها.
ولما ملك الصالح دمشق سار منها إلى مصر وأبقى ابنه المغيث نائبا عنه في دمشق، فاغتنم عمه الصالح إسماعيل صاحب بعلبك الفرصة ومعه شيركوه ملك حمص، فسارا بجموعهما إلى دمشق لأخذها للصالح من يد نائبها ابن أخيه - المذكور - وذلك سنة 637، وبعد حصار طويل استلمها الصالح إسماعيل من ابن أخيه قهرا. وكان ملك حماة قصد أن يحفظ دمشق لصاحبها، فأرسل نجدة مع أحد الأمراء المسمى سيف الدين علي من عسكر وسلاح ومال كثير، وأظهر المظفر وعلي - المذكور - أنهما قد اختصما، وأن عليا قد غضب وأراد فراق حماة فتبعه بعض الجند ومعهم الذخائر يموهون أن صاحب حماة يريد تسليمها للفرنج؛ وذلك خوفا من شيركوه ملك حمص كي لا يمنع عليا عن المسير في الطريق، فلم تخف هذه الحيلة عليه فكمن لهم عند بحيرة حمص، فلما قدم علي بمن معه تلقاه شيركوه ورحب بهم وأظهر أنه مصدقه ودعاه للضيافة في حمص، فعاد معه هو وبعض الجند والآخرون شعروا بالحيلة فهربوا وسلموا، فلما وصلوا إلى حمص قبض عليهم شيركوه وسلب ذخائرهم وأموالهم وسلط عليهم من يعذبهم، وهم يستجلبون له الأموال من حماة ليشتروا بها أنفسهم من العذاب حتى أفقرهم. ومات رئيسهم علي وكثيرون معه في السجن وبقي الباقون في السجن حتى مات شيركوه، وكان ذلك سببا عظيما لضعف قوة المظفر ملك حماة ضعفا عظيما. ثم توفي شيركوه بعد برهة وخرج السجناء وملك حمص بعده ابنه إبراهيم.
وفي سنة 642 توفي الملك المظفر محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب ملك حماة، فكانت مدة ملكه 15 سنة وسبعة أشهر وعشرة أيام. فملك بعده ابنه الملك المنصور محمد، ولكونه لم يجاوز عمره العشر سنين قام بتدبير المملكة مملوك أبيه سيف الدين طغريل، والشيخ شرف الدين عبد العزيز الأنصاري شيخ شيوخ حماة، والطواشي مرشد، والوزير بهاء الدين ابن التاج، وهؤلاء يرجعون بالرأي إلى أم المنصور غازية خاتون بنت الملك الكامل.
وحينما ملكوا عليهم المنصور أرسلوا عسكرا إلى سلمية فانتزعوها من صاحب حمص وألحقوها بحماة.
Unknown page