Tarikh Ghazawat Carab
تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط
Genres
وأن الله أعطاه في ذلك العصر صورة ترى كل ملك دونها يتذبذب، وفي تلك الأيام لم تكن الحرب تسكن بين المسلمين والإفرنج في بلاد أراغون وكتلونية وناباره، وكانت سجالا بين الفريقين.
ولم يكن شارلمان ليقدر على النظر في جميع شؤون مملكته الواسعة، ففي سنة 809 مسيحية مات الكنت أوريول “Aureole”
قائد الجيوش الإفرنسية في أراغون، فجاء أمير سرقسطة المسلم، وكان يقال له: عمروس، واستولى على الأماكن التي كانت في حوزة الكنت زاعما أنه عندما يأتي شارلمان بنفسه يسلمها إليه، ولكن لما جاءت العساكر الفرنسية أبى إنزالهم فيها، فبقيت في يد المسلمين. هكذا روى مؤرخو الفرنسيس. وقد روى بعض مؤرخي العرب أن عمروس هذا كان أميرا في وشقة، وكان أبوه مسلما وأمه مسيحية، وكان مثل هذا الزواج كثير الوقوع في إسبانية لذلك العهد، لا سيما في الأصقاع الشمالية، وكان يقال لهؤلاء الذين هم من أب مسلم وأم مسيحية المولدون، وكان هذا الصنف من الناس لا يرجعون إلى مبدأ، ولا يتقيدون بذمام، وإنما يتبعون مصالحهم الخاصة، وكانوا كثيرين في مدينة طليطلة فثاروا على أمير قرطبة فرماهم برجل يقال له: عمروس، وكان داهية من الدواهي، فجاءهم عمروس وتظاهر لهم بالإخلاص لقضيتهم، وأوهمهم أنه في نفسه ممالئ لهم ينتظر أول فرصة للانتقاض معهم على السلطان، وأقنعهم بذلك بمكره وحيلته وصدقوا كلامه، واتفق معهم على بناء قلعة في أعلى البلدة تكون المعقل الأمين بزعمه لهم ، بحيث لا تنالهم جيوش السلطان بسوء، فلما أكمل بناء هذه القلعة دعاهم فيها إلى وليمة، فكان كلما دخل منهم واحد قطع الجند رأسه، فقيل: إنه قطع رؤوس أربعمائة من أعيانهم، وقيل: إنه بلغ عدد القتلى خمسة آلاف، وهكذا تمكن عمروس من إدخال طليطلة في الطاعة. انتهى.
وقد ذكر دوزي الهولندي في «تاريخ الإسلام في إسبانية»: إن عمروس هذا كان من الإسبانيول الذين اتخذوا الإسلام دينا، والحقيقة أنه لم يكن يهمه لا مذهب ولا مشرب، وإنما كانت تهمه مطامعه الدنيوية، فكاشفه الأمير الحكم بما في نفسه من أمر طليطلة التي كانت لا تنتهي من ثورة إلا إلى ثورة، وكانت تأبى الخضوع لوال عربي، وقد أعيى الحكم أمرها، فدبر عمروس هذه المكيدة على أهالي طليطلة بالاتفاق مع الحكم، وكتب الحكم قبل ذلك إليهم قائلا لهم: إن أعظم دليل على اعتنائنا بشأنكم أننا مرسلون إليكم الآن واليا من أبناء جنسكم، وقد كان هذا القول صحيحا لأن عمروس كان إسبانيوليا، مهتديا للإسلام، وذهب عمروس فخدع أهالي طليطلة وتودد إليهم وزعم أنه كاشفهم سرا بما في نفسه من الحمية على جنسه، والاستعداد لخلع طاعة السلطان عندما تلوح أول بارقة أمل، وقال لهم: إن أكثر أسباب النزاع بينكم وبين السلطان كانت من قبل الولاة الذين كانوا يتولون طليطلة، فكانوا يضعون الجند في بيوتكم فيسلبون راحتكم، فلو بنينا في طرف من المدينة حصنا تتخذه ثكنة للعساكر لانحسمت أسباب النزاع بينكم وبين السلطان، فوثق الأهالي بكلام عمروس، وبنوا الحصن واستقر به عمروس. وبعد ذلك أكمل عمروس المكيدة بأنه تواطأ مع السلطان على أن يرسل جيشا إلى طليطلة بحجة أن العدو تحرك في الثغر فأرسل الحكم جيشا تحت قيادة ولده عبد الرحمن - وكان في الرابعة عشرة من عمره - فلما وصل الجيش إلى طليطلة أشاعوا أن العدو انقبض إلى بلاده، وأن الجيش سيعود أدراجه إلى قرطبة، ولكن عمروس أشار على أعيان طليطلة بأن يأتوا للسلام على الأمير عبد الرحمن، قياما بواجب الحرمة للسلطان، فجاء منهم جمهور وسلموا عليه، واستقبلهم الأمير بالحفاوة والإكرام، وهم دعوه أن يطيل الإقامة عندهم، وتظاهر الأمير بادئ ذي بدء بأنه مضطر لسرعة الأوبة، ولكن أعيان البلدة ألحوا عليه بالتريث عندهم، وأملوا فيه خيرا كثيرا، وكانوا مسرورين بكون واليهم الجديد إسبانيوليا من جنسهم، وبعد ذلك تقرر إعداد وليمة لأعيان طليطلة وجوارها ولكنها لم تكن مريئة المأكلة، وفي اليوم التالي جاء المدعوون أفواجا أفواجا ونزلوا عن ركائبهم وربطوها خارج الحصن، وصاروا يدخلون زرافات، وكان في ساحة الحصن خندق وقف بجانبه جماعة من الجلادين، فكانوا كلما أقبل جماعة يقطعون رؤوسهم ويرمون بها في الخندق، وتم كل هذا وأهل البلدة لا يعلمون بشيء مما جرى داخل الحصن.
وكان هناك طبيب من أهل طليطلة، عظيم الفراسة، لحظ عدم خروج أحد من المدعوين، فسأل الأهالي: هل رأيتم أحدا من المدعوين إلى الحصن خرج منه؟ فأجابوه: يجوز أن يكونوا دخلوا من هذا الباب وخرجوا من الباب الآخر. فقال لهم الطبيب: بل أظن أنهم لن يخرجوا أبدا وأنه أتى عليهم القتل. وقال ابن عذارى: إن عدد القتلى يوم الخندق هذا بلغ سبعمائة. وقال النويري وابن القوطية: إنهم أكثر من خمسة آلاف، ولكن من بعد هذه الواقعة سكنت الثورة في طليطلة مدة طويلة. انتهى كلام دوزي.
فهذه كانت عقبى غرام أهل طليطلة بالانتقاض، وعمروس الإسبانيولي هذا الذي دبر هذه المكايد هو الذي خدع أيضا قواد الفرنسيس وتسلم منهم المواقع التي كانوا فيها، ولا يبعد على رجل كهذا، غدر ذلك الغدر بأهل وطنه، أن يغدر بالفرنسيس.
ولننظر الآن إلى رواية المؤرخ كوندى الإسبانيولي، قال: إن الحكم لم يتمتع طويلا بالراحة التي كان وطد أطنابها بتعبه وجهاده، ففي سنة 801 مسيحية وفق 185 هجرية تحرك ملك أشتورية وأراد التجاوز على المسلمين، ولما كان يعلم نفسه أضعف من أن يقدر عليهم استنجد بشارلمان، وهذا أسرع لنجدته مؤملا بذلك الاستيلاء على ولايات إسبانية الشمالية وضمها إلى مملكته، فجعلت أمداد شارلمان تثوب إلى الإسبانيول تحت قيادة ولده لويس ملك أكيتانية، فزحف لويس واستولى على مدينة جيرونة، وجاء فحاصر برشلونة، وانضم إليه بهلول بن مخلوق من عمال أمير قرطبة، وسار بالفرنسيس إلى طرطوشة، فزحف الحكم بنفسه ومعه عمروس ومحمد بن مفرج قائد الخيالة الذي كان عظيم الاعتماد عليه نظرا لدهائه وإقدامه.
ولما وصل إلى سرقسطة ثارت الثورة في طليطلة بما أحرج الأهالي من عسف يوسف بن عمروس الذي كان قبض عليه الأهالي لسوء ملكته فيهم، فاستدعى السلطان والده عمروس، وعهد إليه نظرا لدربته ودهائه بولاية طليطلة، وأرسل ولده يوسف قائدا على تطيلة.
ثم أغار الحاكم على نابارة وبنبلونة ودخل وشقة، فخشي الأذفونش على بلاده وحشد عساكره، وزحف إليه يوسف بن عمروس فأوقعه الأذفونش في كمين وأخذه أسيرا، فدفع عليه أبوه فدية جسيمة حتى أنقذه، وأما الحكم فكان يتوقد صدره إحنة على بهلول عامله الذي انحاز إلى الفرنسيس ومشى بين يديهم، ولما عرف أنه في جوار طركونة عمد إليه من فوره، ولم يزل في أثره حتى ثقفه في طرطوشة بعد أن هزمه، واحتز رأسه، ورجع الحكم إلى قرطبة بدون أن يتعرض لبرشلونة، وذلك خوفا من الفشل في حصارها.
أما حصار الإفرنج برشلونة فقد أجمع المؤرخون أنه كان من أندر ما عرف التاريخ شدة وصبرا، وأن مسلمي برشلونة صبروا في هذا الحصار إلى الحد الذي تتحير فيه العقول، ولكن الخلاف وقع بين المؤرخين في الأطوار التي دخلت فيها تلك الحرب، فبعضهم قالوا، كما في تاريخ متس وتاريخ ريجينون وغيرهما: إنه في سنة 797 قدم أمير برشلونة العربي على شارلمان، وبعد ذلك في سنة 801 أراد خلع طاعته، فأخذ أسيرا ونفي. وهؤلاء المؤرخون يسمونه تارة «زاتون»
Unknown page