127

Tārīkh al-Fayyūm

تاريخ الفيوم

Genres

عزتلو أفندم إسماعيل بك إلياس مفتش الدومين

فكر وذكاء، وعقل ودهاء، وأخلاق سلمت من العيب، وفراسة تكاد تعرف الغيب، ورأي في الملمات سديد، وعزم في الأمور ماض وشديد، نبغ بنفسه عن غير ملقن، فهو بفكره في الحكم متفنن، غاية في التضلع من تواريخ المتأخرين والقدماء، وآية في اختراع أقوال الفلاسفة والحكماء، وجد أيام الاستبداد فلم يلتمس رشوة، ولا تمسك بغير ما ترضاه المروءة والنخوة، فاتخذه أهل الفيوم إماما يقتدى به، وينصت لما يتلوه عند محرابه، وهو الآن المتلفظ بالحكمة، المسموع الكلمة، نابغة زماننا، وأصمعي أواننا، وهاك ترجمته:

هو إسماعيل بك إلياس بن إلياس كاشف الأرناؤوطي الألباني، من بلد رودامير ضمن ولاية برزرند التابعة للدولة العلية، حضر من بلاده لأن أخاه بكير أغا كان سر بيادة بمصر في مدة محمد علي باشا، فألحق بالعسكرية وكيلا للعرضي (الأوردي)، ثم سافر الأخوان لمحاربة الوهابيين بالحجاز فقتل بكير أغا ورجع أخوه بعد انتهاء الحرب، ثم عين كاشفا أي حاكما على عموم عربان الفيوم، ثم انقطع للنظر في أشغاله الزراعية لغاية سنة 1270ه.

وفي أثناء تمرد عربان الفيوم في مدة سعيد باشا عين ناظر قسم لسنورس، وخرجت العربان من الفيوم قاصدة جهة الغرب، ففي هذه المدة خرج وراءهم لرد بعض المنهوبات فأصيب برصاصة سببت فقد إحدى عينيه، ثم أحيل بعد ذلك على المعاش، وتوفي سنة 1278ه.

ولد المترجم بمدينة الفيوم سنة 1264ه، وأرسل إلى معلم ليتعلم القراءة العربية فتعلم القراءة فقط، ثم أرسله والده إلى بلاد الأرناؤود عن طريق إسلامبول لتعلم الأرناؤودية والتركية، ثم رجع من هناك، ثم عاد ثانية، ثم رجع وقد تقدم في اللغتين، وبعد ذلك أخذ يطالع التواريخ وأشعار العرب وكلامهم فتقدم فيها كثيرا وخصوصا تاريخ العرب، وعرف أيضا تاريخ دول أوربا وغيرها، حتى إنك لا تسأله عن واقعة شهيرة إلا وجدته عارفا لها جيدا، ولا عن ملك قديم أو متأخر من المشهورين إلا وجدته خبيرا بسيرة حياته وربما أخبرك عن دقائق أعماله.

وفي سنة 79ه صارت العرب تغزو أطراف البلاد المصرية، واشتهر من بينهم المدعو عمار المصري عمدة عربان الجوازي، فوضعت الحكومة المصرية مئتي عسكري بالفيوم؛ لأنه آخر البلاد المصرية من جهة الغرب، وتولى المترجم قيادتهم محافظا على الفيوم، وفي أول سنة 81ه صدر له أمر بالقيام مع العساكر ومقابلة عمار المصري بجهة الريان، إذ بلغ المعية السنية أن عمارا قادم عن الطريق المذكورة، وذلك للنظر فيما إذا كان مجيء العرب بحالة سلم أو حرب، فقاموا وقابلوهم، وكان العربان نحو الثمانين، ولما تخابر معهم المترجم علم أنهم حضروا للمعيشة في ظل الحكومة المصرية فتسلم العساكر أسلحتهم، وحضروا للمدينة، وأرسل كل من عمار المصري ومحمود العلواني إلى المعية.

ثم صدر له أمر آخر بالقيام مع العساكر إلى مديرية الغربية، فقام وأحيل عليه محاكمة العربان والنظر في مشيخاتهم، وفي آخر هذه السنة أحيلت العساكر على أحد العراضي، ورجع المترجم إلى الفيوم حيث عين معاون أول مديرية بني سويف والفيوم، ثم عين مأمورا لإدارة سنورس وطامية التابعة للدائرة السنية، وفي سنة 1879م عين ناظرا لقسم طبهار، وفي سنة 82م عين مأمورا لمالية الفيوم، وفي هذه السنة عين وكيلا للمديرية، وأنعم عليه بالرتبة الثالثة، وفي سنة 85م عين مفتشا للدومين (قومسيون الأراضي الأميرية بالفيوم)، وتقدم على يديه التفتيش كثيرا، فأنعم عليه بالرتبة الثانية، وزيد راتبه، ثم أنعم عليه برتبة المتمايز، وقد قدمت له بعض أبيات تهنئة بهذه الرتبة، قلت في مطلعها:

رتب الكمال إلى الكرام تئول

والعز معقود بها موصول

وقلت في الختام مؤرخا:

Unknown page