160

ثم أركبوه وخرقوا به السوق، حتى عبروا به باب سور السلطان وأنزلوه بدار السلطنة، ووظفوا له الرواتب، ورتبوا له الوظائف، وشرفوه وسوروه وطوقوه، وخطبوا له على المنابر في الجمع والجوامع. وخصوه بالعوارف والصنائع النصائع.

لكنهم لم ينعتوه إلا بالمعظم، ولم يسموه بالسلطنة ولم يسموه، وكانوا يقتصرون به على المعظم. وذلك غاية أن يعظموه، لكنه كان في قد عقله من غفلته، وعي لهجة من غي جهلته. وفي كسرة من سكرته، وفي ذلة من لذته. فما زال مدة مقامه مستحلا لمحارم شهواته، مستحليا مذاق اللهو في لهواته، مترنما بنغماته، متبغما بخرافاته. والخليفة مع ذلك في ولائه معتقد وللوائه عاقد. متيقظ لتدبير مصالحه وهو عنها راقد. وقد أوعز إلى عساكره بالتأهب للمسير في خدمته، وإعادته إلى عادته في سلطنته. واستوزر له شرف الدين الخراساني، وكان رجلا كبيرا يرجع إلى سؤدد وكرم محتد. وكان قد وصل إلى بغداد في عهد السلطان سنجر رسولا، وأعاد البردة والقضيب النبويين معه إلى دار الخلافة، وكانا قد أخذا في النوبة المسترشدية.

وأقام شرف الدين هذا في الظل الأمامي، وهو مخصوص بالاحترام، فرأى المقتفي أن يجعله وزير سليمان، وسيره إلى أذربيجان. وجهز معه عساكر وافية العدد، وافرة العدد. فمضوا به إلى أرانية ثقة بأتابك إيلدكز فما رفع بهم رأسا، ولا قراهم إيناسا.

ووصل السلطان محمد بن محمود وجرى المصاف، ووقع بين الفريقين الانتصاف. ثم انهزم سليمان موليا، وعن عسكر الخليفة متخليا. فعادت العساكر إلى بغداد عادمة للظفر، نادمة للسفر. ورجع سليمان عائدا إلى بغداد في طريق الدربند القرابلي، فصبحه زين الدين علي كوجك من الموصل، وقبضه في المضيق، وحمله إلى قلعة الموصل. واعتقله وأراحه من التعب، وأباحه ما كان يؤثره من اللعب، وكان ذلك في شعبان سنة 551 ه.

ذكر اتصال الملك جغري شاه بن محمود بأخيه السلطان محمد

Page 342