297

============================================================

ذكر ما كان من فساد بني إسرائيل وتسليط العدو عليهم السلام فأول ما تكلم أن قال الحمد لله رب العالمين ذي الفضل والمن والنعمة والطول على بني إسرائيل وعلى جميع العالمين له الأسماء الحسنى والأمثال العليا، وله المجد والشناء ثم قال: يا سماء استمعي ويا أرض أنصتي، وبا جبال أوبي فإن الله تعالى يريد أن يقص شأن بني إسرائيل الذين رباهم بنعمته واصطفاهم لنفسه وخصهم بكرامته وفضلهم على عباده وكانوا كالغنم المهملة الضائعة التي لا راعي لها فآوى الله تعالى شاذتها وجمع ضالتها وجبر كسرتها وداوى مريضها وآسمن هزيلها وحفظ سمينها، فلما ف عل ذلك بها طغت وبغت وبطرت فتناطحت كباشها وقتل بعضها بعضا فلم يبق منها عظم صحيح فويل لهذه الأمة الخاطئة والقوم الظالمين الذين لا يرون مرجعهم إن البعير ليذكر معطنه فينتابه وإن الحمار ليذكر أريه فيراجعه وإن الثور ليذكر الرفض الذي سمن فيه فينتجعه وإن هؤلاء القوم ليذكرون من أين جاءهم الحين والنقمة وهم ذوو الألباب وإني ضربت لهم مثلا فليستمعوه فقال لهم: كيف ترون أرضا مواتا لا عمران فيها ولها رب رحيم فأقبل عليها وأحاط حولها ثم آتبط نهرا وشيد فيها قصرا وغرس فيها من ألوان الأشجار وألوان الثمار ووكل بها حافظا أمينا قوئا وانتظر ربها أن يثمر عليه أرضه فلما اطلعت جاء ثمرها كلها خرويا لا معنى لها، قالوا بيت الأرض هذه قال شعيا فما ترون فيها؟ قالوا: نرى آن يهدم بناؤها ويغور ماؤها ويقطع غرسها فتصير كما كانت أول مرة، قال الله تعالى: قل لهما إن الأرض أرضكم وإن الجدار حولها ذمتي وديني وإن القصر شريعتي وإن النهر كتابي، وإن القيم آنبيائي، وان الغرس عبادي، وإن الخرنوب أعمالهم الخبيثة ألا وإني قد قضيت بقضائهم على آنفسهم. ووعظهم بعد ذلك مواعظ كثيرة ذكرها محمد بن إسحق ووهب فلم يقبلوا ولما فرغ شعيا من كلامه عدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم، فلقيته شجرة فانفلقت له فنادته إلي يا نبي الله فدخل جوفها والتأمت عليه الشجرة وجاءه الشيطان فأخذ بهدبة من ثوبه فلما أدركوه أراهم الشيطان اياها، فجاؤوا بالمنشار وقلعوا الشجرة فقطعوه في جوفها نصفين فضرب الله تعالى على بني إسرائيل الذل بعد ذلك ونزع الله تعالى عنهم الملك وطمعت فيهم الأمراء فكانت هذه الكرة أول الوعدين اللذين كان الله وعدهم أن يبعث عليهم عباده وكان وعد الآخرة كما سنذكره إن شاء الله تعالى.

باب في ذكر فساد بني إسرائيل في المرة الأخرى قد ذكرنا أن بني إسرائيل قد قتلوا شعيا كما ذكرناه وقال بعض الرواة إن النبي الذي قتلوه في الشجرة هو زكريا عليه السلام والله أعلم، وأما فسادهم في المرة الأخرى كان تكذيبهم أرميا النبي عليه السلام في قول كعب الأحبار وكثير من أهل

Page 297