260

Taʾrīkh al-ʿĀlam

تأريخ العالم

============================================================

يزال الحاضر أبدا منقوصأ حقه ، مجحودا قدره ، لأن القليل من شره ينزل كتيرا إذ الفليل من المشاهدة أرسخ من الكثير من الخبر . وإذ مقاساة اليسير من التبدة اأشق على النفس من تذكر الكثير مما فرط منها، كمثل رجل اأرقته البراغيت ليلة، فتذكر بذلك ليالي فارطة آرقه فيها حرارة الموم (1) وحمى. فغير ذي شك آن توهم ذلك الموم وتذكر تلك الآلام أخف عليه من دبيب البراغيت [132] على جسده في وقته ذلك .

لا جرم آن هذا وإن كان هكذا موقعه في الوقت الحاضر من الحس، فليس كذلك حكمه في الحقيقة لأنه لا يقدر احد ان يثبت القول بأن البراغيت أنكى من الموم وان السهر في حال الصحة آشد من السهر على آسباب المنية . ولما كان الحالان هكذا في [ العة] ل، وجب علينا ان نسلم لهؤلاء المترفهين الذين ضاقوا ذرعا بحوادت زمانهم ما زعموه من تلك الحوادث صعبة عليهم ولا تسلم لهم ما جاوزوا به الجهل من ادعائهم آنها في المقادير والقياس آصعب من التي مضت لسلفهم ، كما لو ان رجلا قام من لحف سريره ، فخرج الى الرحاب، فرآى المياه جامدة والأرض بالثلج مستوهية (1) فقال : "هذا يوم شديد البرد" - فكان ذلك من قوله غير مردود ولا منكر، لأنه قال بما وجده في نفسه وبما حرت العادة من الناس ان يقولوا به . فان لؤم عن احتمال ما وصل من البد الى جسمه ثم رجع على [ الفورا الى سريره فتزمل والتحف وتدثر وقال: هذا اليوم اشد بردا من الذى آهلك عساكر ايييل ) قائد افريقية، وقتل فيلته وخيله بجبل آبنين [هدلنصاطه ] إذ اطبق عليه الثلج هنالك ، لم تحتمل هذه المقالة وعد قاثآلها في اللين والغرارة بمتزلة بنات الخدور ، بل تخرجه عن تلك الألحف فنريه الأطفال يلعبون في ذلك الجمد ، ويتناضلون به ويتعرقون (2) بدومان الحركة . فيعلم اذ رآى ذلك ان الذي اطنب فيه من الشكاية بزماته ليس لافراط شدة الزمان، لكنه لضعف صبره ولؤم طباعه .

وأنا واصف من الحال السالفة ما أوضح به انها كانت أشد وأصعب من الحال الحاضرة، وان كانت هذه مشاهدة، وتلك خبرا.

(1) المم: الحمى مع البرسام ؛ والجدري الكثير التراكب، أو هو اشد الجدري . والموم بالغارسية : الحدري الذي يكون كله ترحة واحدة.

(1) غير واضحة في المخطوط (3) اي يتصبب منهم العرق من دوام الحركة .

258

Page 260