Tarikh Adab Carabiyya
تاريخ الآداب العربية في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين
Publisher
دار المشرق
Edition Number
الثالثة
Publisher Location
بيروت
Genres
حسنًا. ثم درس الطب على والده ووضع فيه أرجوزةً سماها (الحجر الكريم في أصول الطب الكريم) لم تنشر بالطبع. ودرس أيضًا فن الموسيقى ووعى كثيرًا من أصولها ودقائقها. وكان مغرى بالتاريخ مواظبًا على قراءة أخبار القدماء فيحفظ منها تفاصيل كثيرة لا تبرح من ذاكرته إذا انطبعت فيها مرة.
لكن الأدب غلب على الشيخ ناصيف فبلغ فيه مبلغًا عجيبًا قيل أنه استظهر القرآن وحفظ كل ديوان المتنبي وقصائد عديدة من العشر القديم والمولد لا يخل فيها بحرف. وكان في أوقات الفراغ ينسخ ما يحصل عليه من الآثار الأدبية بخط جميل أشبه بالقلم الفارسي.
ومما امتاز به على أهل زمانه شعره فإنه نبغ فيه على ما روي وعمره لا يتجاوز عشر سنين فكان يقول الشعر عفوًا عن البديهة ويأتي بكل معنى بليغ. وكان في أول أمره ينظم المعنى والزجليات تفكها. وقد تلف معظم هذه المنظومات العامية.
وسطع في ذلك الوقت نجم الأمير بشير الكبير فقصده الأدباء والشعراء ومدحوه ونالوا من سجال فضله منهم المعلم الياس أدّه ونقولا الترك وبطرس كرامة فسار الشيخ ناصيف إلى بيت الدين واتصل بهؤلاء الأدباء فقربوه من الأمير الذي اتخذه كاتبًا لأسراره ورفع شأنه. وللشيخ في مخدومه قصائد جليلة منها رائيته التي قالها مهنئًا له بانتصاره من أعدائه سنة ١٢٤٠ (١٨٢٤م) وأولها:
يهنيك يهنيك هذا النصرُ والظفرُ ... فانْعمْ إذن أنت بل فلننعم البشرُ
وبقي في خدمته اثنتي عشرة سنة. فلما كُفَّت يد الأمير عن تدبير لبنان سنة ١٨٤٠ فارقه الشيخ ناصيف ونزل مع أهله إلى بيروت فسكنها إلى سنة وفاته.
وفي هذه الثلاثين السنة الأخيرة من عمره انقطع إلى التأليف في بيته وإلى التدريس ومراسلة الأدباء فحظي بشهرةٍ عظيمة. وسمع به المستشرقون فكاتبوه واقترحوا عليه عدة مصنفات أجابهم إلى وضع بعضها فطبعوها في مجلاتهم. وكان علماء الشرق يتسابقون إلى مكاتبته ويتناوبون بينهم القصائد والرسائل. ومن فضل الشيخ ناصيف أنه سعى مع بعض أدباء الشام بعقد الجمعية السورية لترقية الآداب ورفع منار العلوم. وكان له في كل المساعي الأدبية يد مشكورة حتى أصبح في
1 / 154