Ṭarḥ al-Tathrīb fī Sharḥ al-Taqrīb
طرح التثريب في شرح التقريب
Publisher
الطبعة المصرية القديمة
Publisher Location
مصر
Genres
Ḥadīth Studies
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْأَحْكَامَ لِإِمْضَاءِ عِلْمِهِ الْقَدِيمِ، وَأَجْزَلَ الْإِنْعَامَ لِشَاكِرِ فَضْلِهِ الْعَمِيمِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْبَرُّ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالدَّيْنِ الْقَوِيمِ، الْمَنْعُوتُ بِالْخُلُقِ الْعَظِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ
ــ
[طرح التثريب]
وَرَأَيْت أَنْ أُقَدِّمَ قَبْلَ شَرْحِ مَقْصُودِ الْكِتَابِ مُقَدِّمَةً فِي تَرَاجِمِ رِجَالِ إسْنَادِهِ، وَرَأَيْت أَنْ أَضُمَّ إلَيْهِمْ مَنْ ذُكِرَ اسْمُهُ فِي بَقِيَّةِ الْكِتَابِ لِرِوَايَةِ حَدِيثٍ أَوْ كَلَامٍ عَلَيْهِ، أَوْ لِذِكْرِهِ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ لِعُمُومِ الْفَائِدَةِ بِذَلِكَ، وَهَذَا حِينَ أَشْرَعُ فِي الْكَلَامِ عَلَى خُطْبَةِ الْأَحْكَامِ (وَقَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْأَحْكَامَ لِإِمْضَاءِ عِلْمِهِ الْقَدِيمِ) الْمُرَادُ بِالْأَحْكَامِ هُنَا أَعَمُّ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، إذْ السُّنَّةُ فِي هَذَا التَّأْلِيفِ هِيَ الْمَقْصُودَةُ وَوَصْفُ السُّنَّةِ بِالْإِنْزَالِ صَحِيحٌ، فَقَدْ كَانَ الْوَحْيُ يَنْزِلُ بِهَا كَمَا يَنْزِلُ بِالْقُرْآنِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي أَحْرَمَ لِعُمْرَةٍ، وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِخَلُوقٍ فَنَزَلَ الْوَحْيُ فِي ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ مِنْ قَوْلِهِ: «مَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ» الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ، وَرَوَيْنَا فِي كِتَابِ السُّنَنِ لِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا إنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ» الْحَدِيثَ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵁: السُّنَّةُ وَحْيٌ يُتْلَى.
(وَاللَّامُ) فِي قَوْلِهِ لِإِمْضَاءٍ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْعَاقِبَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَوْ لَمْ تَنْزِلْ لَمَا عُذِّبَ الْكَافِرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ [الإسراء: ١٥] فَكَانَ نُزُولُ الْأَحْكَامِ سَبَبًا لِبَيَانِ الطَّائِعِ وَالْعَاصِي، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا تُعَلَّلُ أَفْعَالُهُ، فَالْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تُعَلَّلُ بِالْغَرَضِ لِغِنَاهُ عَنْ جَلْبِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضُّرِّ.
وَأَمَّا التَّعْلِيلُ بِمَعْنَى إبْدَاءِ الْحِكْمَةِ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ، وَقَدْ عَلَّلَ هُوَ سُبْحَانَهُ أَفْعَالَهُ لِقَوْلِهِ
1 / 15