Tarbiya Fi Islam
التربية في الإسلام: التعليم في رأي القابسي
Genres
13
ويهتم الإيراني اهتماما كبيرا بالتربية، لذلك يعلم ابنه آداب السلوك ويبث فيه بعض التعاليم الخلقية ليصبح رجلا شريفا. وحينما يكبر الطفل يعلمه حرفة. ولا يعلم الأب ابنه شيئا له غرض عملي.
ونستنتج من هذا أن التعليم في فارس كان مقصورا على طبقة معينة هي طبقة الكتاب والأشراف، أما عامة الشعب من زراع وصناع فعنايتهم بالمهنة. أما التعليم الديني العام، فلم يكن الغرض منه التعليم لذاته، أو معرفة القراءة والكتابة، بل تلقين أسرار الدين الفارسية، وهي ديانة ثنوية تخضع العالم لإلهين أحدهما للخير والثاني للشر. وكان الأطفال يتلقون هذه المبادئ في داخل المعابد، ولم تكن هناك مدارس منفصلة عنها. ولم يكن الأطفال يتلقون مبادئ القراءة والكتابة؛ لأنها مخصوصة بطبقة الكتاب.
لهذا لم تعرف الفرس نظام الكتاتيب. لأن الكتاب في الإسلام مكان يتعلم فيه الصبيان الكتابة والقراءة إلى جانب القرآن الكريم، على حين كانت الكتابة صناعة خاصة بطبقة معينة عند الفرس. والمدارس الدينية مختلفة في نوعها عن الكتاتيب لأنها ملحقة بالمعابد، وأساس التعليم فيها هو معرفة الطقوس الدينية ومزاولتها. (2) المدارس في الشام ومصر
وننظر الآن إلى البلاد التي كانت خاضعة للروم وهي الشام ومصر لنرى أكان فيها نظام لتعليم الصبيان يشبه الكتاتيب. ونقصد بهذا النظام أنه عام لجميع أفراد الشعب، وأنه منفصل عن المساجد، وأن الصبيان كانوا يتعلمون فيه القراءة والكتابة.
في الوقت الذي فتح فيه العرب هذه البلاد، كانت الحضارة السائدة فيها مضطربة منقسمة على نفسها، خاضعة لتيارات مختلفة متعارضة. فإلى جانب حضارتي الرومان واليونان الوثنيتين، جاهدت المسيحية للقضاء عليهما، ومع ذلك احتفظت المسيحية بكثير من تراث الرومان والإغريق.
ولما تدهورت الدولة الرومانية الغربية وعاصمتها روما، غزا الجرمان روما، ولم تكن قبائل الجرمان على شيء من الحضارة. فهدموا المدن، وذوت الحضارة وعفت آثارها، وأصبحت الكتب نادرة، وتم التدهور تدريجيا، حتى إذا كان القرن السادس الميلادي انعدمت الثقافة وقبرت المدارس الرومانية. وكانت الحاجة ماسة إلى قوم مثقفين للقيام بشئون الحكومة، فصالت الكنيسة وحدها في الميدان وقامت بالتعليم، ولكنها قصرته على مقدار حاجتها منه.
14
ومن أبرز أسباب سقوط الحضارة الرومانية الترف الذي ساد الحاكمين بعدما أصابوا من أسلاب الدول المغلوبة على أمرها، لذلك انصرفوا إلى الملاذ والاستمتاع بمباهج الدنيا. وركنوا إلى حياة الكسل والترف. ومن قبل ذلك قضى الرومان على الحضارة الإغريقية بالسيف، وانتقلت الثقافة اليونانية من أثينا إلى الإسكندرية في القرنين الأول والثاني للميلاد، وظلت زاهرة زمنا، ثم تدهورت لما أصاب العالم من انحطاط.
ووجد الناس في المسيحية الدين الذي يلتئم مع نزعات النفس الجديدة، فهو دين يدعو إلى تطهير النفوس من الأدران، وإلى الزهد في الحياة المادية التي سئمها الناس.
Unknown page