242

Al-tarbiya fī al-Islām: Al-taʿlīm fī raʾy al-Qābisī

التربية في الإسلام: التعليم في رأي القابسي

Genres

ومن حسن رعايته لهم أن يكون بهم رفيقا، فإنه قد جاء عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم ، قال: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فيه فارفق به.

59

وقد قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم : إن الله يحب الرفق في الأمر كله، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء.

60

قال أبو الحسن: فقولك هل يستحب للمعلم التشديد على الصبيان، أو ترى أن يرفق بهم ولا يكون عبوسا، لأن الأطفال كما علمت تدخل في هذه الوصية المتقدمة؛ ولكن إذا أحسن المعلم القيام، وعني بالرعاية، وضع الأمور مواضعها، لأنه هو المأخوذ بأدبهم، والناظر في زجرهم عما لا يصلح لهم، والقائم بإكرامهم على مثل منافعهم، فهو يسوسهم في كل ذلك بما ينفعهم، ولا يخرجهم ذلك من حسن رفقه بهم، ولا من رحمته إياهم [54-ب] فإنما هو لهم عوض من آبائهم. فكونه عبوسا أبدا من الفظاظة الممقوتة، ويستأنس الصبيان بها فيجترئون عليه، ولكنه إذا استعملها عند استئهالهم الأدب، صارت دلالة على وقوع الأدب بهم، فلم يأنسوا إليها، فيكون فيها إذا استعملت أدبا لهم في بعض الأحايين دون الضرب، وفي بعض الأحايين، يوقع الضرب معها، بقدر الاستئهال الواجب في ذلك الجرم. ولكن ينبغي له ألا ينبسط إليهم تبسط الاستئناس في غير تقبض موحش في كل الأحايين، ولا يضاحك أحدا منهم على حال، ولا يبتسم في وجهه، وإن أرضاه وأرجاه

61

على ما يجب، ولكنه لا يغضب عليه فيوحشه إذا كان محسنا.

وإذا استأهل الضرب، فاعلم أن الضرب من واحدة إلى ثلاث، فليستعمل اجتهاده لئلا يزيد في [55-أ] رتبة فوق استئهال. وهذا هو أدبه إذا فرط، فتثاقل عن الإقبال على المعلم، فتباطأ في حفظه، أو كثر الخطأ في حزبه، أو في كتابة لوحه، من نقص حروفه، وسوء تهجيه، وقبح شكله، وغلطه في نقطه، فنبه مرة بعد مرة، فأكثر التغافل ولم يغن فيه العذل، والتقريع بالكلام، الذي فيه التواعد من غير شتم ولا سب لعرض، كقول من لا يعرف لأطفال المؤمنين حقا فيقول: يا مسخ، يا قرد. فلا يفعل هذا ولا ما كان مثله في القبح، فإن قلت له واحدة، فلتستغفر الله منها ولتنته عن معاودتها. وإنما تجري الألفاظ القبيحة من لسان التقي لتمكن الغضب من نفسه، وليس هذا مكان الغضب. وقد نهى الرسول عليه السلام أن يقضي القاضي وهو غضبان. وأمر عمر بن عبد العزيز - [55-ب] رحمة الله عليه - بضرب إنسان، فلما أقيم للضرب قال: اتركوه. فقيل له في ذلك فقال: وجدت في نفسي عليه غضبا، فكرهت أن أضربه وأنا غضبان. قال أبو الحسن: كذا ينبغي لمعلم الأطفال أن يراعي منهم حتى يخلص أدبهم لمنافعهم، وليس لمعلهم في ذلك شفاء من غضبه، ولا شيء يريح قلبه من غيظه، فإن ذلك إن أصابه فإنما ضرب أولاد المسلمين لراحة نفسه، وهذا ليس من العدل، فإن اكتسب الصبي جرما من أذى، ولعب، وهروب من الكتاب، وإدمان البطالة، فينبغي للمعلم أن يستشير أباه، أو وصيه إن كان يتيما، ويعلمه بجرمه إذا كان يستأهل من الأدب فوق الثلاث، فتكون الزيادة على ما يوجبه التقصير في التعليم عن إذن من القائم بأمر [56-ب] هذا الصبي؛ ثم يزاد على الثلاث ما بينه وبين العشر، إذا كان الصبي يطيق ذلك. وصفة الضرب هو ما يؤلم ولا يتعدى الألم إلى التأثير المشنع، أو الوهن المضر. وربما كان من صبيان المعلم من يناهز الاحتلام، ويكون سيئ الرعية،

Unknown page