239

Al-tarbiya fī al-Islām: Al-taʿlīm fī raʾy al-Qābisī

التربية في الإسلام: التعليم في رأي القابسي

Genres

50

وأرى أن يتقدم إلى المعلمين في ذلك. وقد سمعت حفص بن غياث يحدث: أن أبا جاد أسماء الشياطين ألقوها على ألسنة العرب في الجاهلية فكتبوها. قال محمد: وسمعت بعض أهل العلم يزعم أنها اسم ولد سابور ملك فارس، أمر العرب الذين كانوا في طاعته أن يكتبوها، فلا أرى لأحد أن يكتبها [47-أ] فإن ذلك حرام. قال أخبرني سحنون بن سعيد، عن ابن وهب، عن يحيى بن أيوب، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قوم ينظرون في النجوم، يكتبون أبا جاد أولئك لا خلاق لهم. ولسحنون قال: ولا أرى أن يعلمهم ألحان القرآن؛ لأن مالكا قال: لا يجوز أن يقرأ القرآن بألحان. ولا أرى أن يعلمهم التغبير؛

51

لأن ذلك داعية إلى الغناء، وهو مكروه. وأرى أن ينهى عن ذلك بأشد النهي. قال: ولقد سئل مالك عن هذه المجالس التي يجتمعون فيها للقراءة، فقال: بدعة. وأرى للوالي أن ينهاهم عن ذلك، ويحسن أدبهم. وقال أبو الحسن: نهى مالك عن الاجتماع في المجالس لاستماع القراءة بالألحان وما يصحبه من تغبير، وغير ذلك مشهور. فكل ما نهى عنه سحنون المعلم والمتعلم في هذا الباب، كله صحيح [47-ب] الموافقة لمذهب مالك، على ما جرى من تشديد أو كراهية.

فافهم، فقد بينت لك وجوه جواز أخذ الإجارة على تعلم القرآن، وما يجوز أن يعلم بالأجر، وما يكره من ذلك للمعلم والمتعلم، وما اختلف أصحابنا فيه من كراهية له أو توسعة، ليستبين طالب الحلال ما يصفو له به الحال في أجرة التعليم، وما ينزه منه ذو الورع من ذلك. وبينت لك ما ينبغي للمسلم أن يتعلمه أو يعلمه لولده وما يختلف من ذلك.

ومن ذلك أيضا قال ابن وهب: سمعت مالكا سئل عن الذي يجعل ابنه في كتاب العجم، يعلمه به الوقف، فقال: لا. فقيل له: فهل يعلم المسلم النصراني؟ فقال: لا. فقيل له: فيعلم أبناء المشركين الخط؟ فقال: لا. ولابن وهب أيضا في تاريخ سنة ثلاثة وسبعين قال: وقال مالك: لا أرى أن يترك أحد من اليهود والنصارى يعلم المسلمين القرآن [48-أ]. قال أبو الحسن: إن كان معنى هذا القرآن الذي أنزل على محمد

صلى الله عليه وسلم

ن فيمكن النهي عن ذلك، والمسلم ينهى أن يعلم الكافر القرآن. قال الله سبحانه وتعالى:

إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون (الواقعة: 77-79) فالكافر نجس، ولذلك ينهى أن يعلموا الخط العربي، والهجاء العربي؛ لأنهم يصلون بذلك إلى مس المصحف إذا أرادوه. وإن كان إنما أراد مالك لا يتركوا أن يعلموا كتابهم المسلمين، فيصح أيضا منعهم من ذلك، لأنهم غير مأمونين على كتابهم. قد جاء كعب الأحبار إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقام بين يديه، فاستخرج من تحت يده مصحفا قد تشرمت حواشيه، فقال: يا أمير المؤمنين في هذه التوراة، أفأقرؤها؟ فسكت عمر طويلا، فأعاد عليه كعب مرتين أو ثلاثا، فقال [48-ب] عمر: إن كنت تعلم أنها التوراة التي أنزلت على موسى بن عمران يوم طور سيناء، فاقرأها آناء الليل وآناء النهار، وإلا فلا. فراجعه كعب، فلم يزده عمر على هذا. وكعب قد بان فضله في الإسلام في فقهه في الدين، فلم يطلق له عمر ما سأله فيه، إنما رد الأمر في ذلك إليه، ثم لم يذكر عن كعب أنه دام على دراسة ذلك المصحف.

52

Unknown page