197

Tarbiya Fi Islam

التربية في الإسلام: التعليم في رأي القابسي

Genres

من ذلك الحذر من الصبيان إذا بلغوا سن الاحتلام، وعدم الجمع بين الذكور والإناث بعد سن الطفولة.

ومن ذلك اتخاذ العريف ليعاون المعلم، مما يفيد الصبي في حياته من جهة الاعتماد على النفس، وتكوين الشخصية، ويتصل بذلك أن يقوم الصبي بأعمال تفيده في تخريجه مثل كتابة الرسائل للناس، وإملاء الصبيان بعضهم على بعض.

وقد فصلنا هذا كله عند الكلام على صلة الدين بالتعليم وعلى التربية الخلقية والعقاب وطرق التعليم، فلا نعود إليه.

وإنما نحب أن نعلل هذه الآراء لبيان المصادر التي استقى منها القابسي أحكامه في التعليم، لنرى أكان مبتكرا لم يسبقه أحد، أم ملخصا لمن تقدمه، أم ناقلا عن شيوخه، مقلدا لهم؟

والقابسي قد فصل القول في موضوع التعليم من جميع نواحيه، فكتب عن التلميذ والمعلم، والمناهج التي يتلقاها الصبي، وطرق التعليم والتأديب، ومكان التعليم، وهذا التفصيل يصف أحوال تعليم الصبيان في القرن الرابع الهجري في شمال إفريقية.

ولا نستطيع أن نتخذ هذا الوصف عنوانا على التربية الإسلامية في جميع العصور، وعند جميع المفكرين المسلمين. وقد اتضح لنا عند الكلام في الفصل السابق عن التربية عند المسلمين اختلاف آراء المفكرين فيما يختص بأغراض ووسائل التعليم. فالغزالي يختلف عن ابن مسكويه، وابن سينا يختلف عن ابن خلدون، وهؤلاء يختلفون عن إخوان الصفاء، وهكذا.

وقد نجد بعض الآراء المشتركة العامة عند المسلمين جميعا، أخذوا بها في جميع العصور، مثل البدء بتعليم القرآن، والنص على تعلم القراءة والكتابة، وأخذ المتعلمين بالشفقة لا بالشدة.

ومع ذلك فهناك اختلاف في طريقة التعليم في المشرق والمغرب، كما ذكر ابن خلدون في مقدمته، وهو خلاف على هذه المسائل العامة الأولية المختصة بتعليم الصبيان.

وإذا نزلنا إلى ميدان التفاصيل المتعلقة بالتعليم، فإننا نجد الخلاف كبيرا بين أصحاب المذاهب. فابن مسكويه يرى أن الغرض من التعليم هو الوصول إلى الحق والخير والجمال؛ وإخوان الصفا يرغبون في تنشئة الناس على مذهبهم الفلسفي وعقيدتهم السياسية؛ والغزالي يمهد إلى معرفة الله بطريق التصوف، ومجاهدة النفس ورياضتها.

والأمثلة كثيرة على هذه الاختلافات الجزئية، وعلى الأغراض العامة.

Unknown page