147

Tarbiya Fi Islam

التربية في الإسلام: التعليم في رأي القابسي

Genres

(1) شخصية المعلم وأثرها في المتعلم

شخصية المعلم لها أثر عظيم في عقول التلاميذ ونفوسهم، إذ يتأثرون وهم في تلك السن الصغيرة بمظهره وشكله، وحركاته وسكناته، وإشاراته وإيماءاته، وألفاظه التي تصدر عنه، وسلوكه الذي يبدو منه. والطفل أشد تأثرا بغيره من الناس من الشاب، وأسرع في كسب الكلام والحركات والتقاطها عن الذين يتصل بهم من الكبار، الذين نمت عقولهم، وصلب عودهم، وأصبحوا أقدر على التمييز والنقد والاختيار.

والوقت الذي يقضيه الطفل في الكتاب يستغرق معظم النهار، فهو يذهب إليه مع الصباح الباكر، ولا ينصرف إلى آخر اليوم.

فالصبي يتصل بالمعلم، إلى جانب صلته بغيره من الصبيان، أكثر من الصلة بآبائه وأهله. ومن الطبيعي أن يكون تأثير المعلم في نفوس الصبيان أقوى وأشد وأعمق من تأثير أهله، فهو الذي يقدم إليهم الغذاء العقلي والديني، وهو الذي يطبعهم على العادات، ويثبت فيهم آداب السلوك، وما يترتب على ذلك من نشوء الصبيان وهم يحملون في أنفسهم الآراء التي طبعوا عليها في صباهم، ويصعب فيما بعد التحول عنها.

ومما يؤيد تأثر الصبيان بشخصية المعلمين ما رواه الجاحظ

1

من كلام عقبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده قال: «ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح بني إصلاح نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت.»

كما فطن إخوان الصفا إلى تأثير المعلم التأثير الشديد في صبيان المسلمين.

وقد سادت في المعلمين شخصية علمية وخلقية عرفت عنهم واشتهروا بها، وسرت منهم إلى الصبيان بطريق الإيحاء والمحاكاة مما هو فطري في النفس الإنسانية؛ فالإيحاء التأثير الذي ينتهي إلى قبول الآراء واعتقادها والعمل بها، والمحاكاة التشبه بغيره في الحركات والإشارات والسلوك على وجه العموم.

ولم تكن شخصية المعلم بارزة في العلم بحيث تسمو به إلى مرتبة الأدباء أو الشعراء أو النحاة أو الفقهاء. فهو يحفظ القرآن، وما يتصل بالقرآن من العلوم الضرورية لفهمه وحسن نطقه.

Unknown page