113

Tarbiya Fi Islam

التربية في الإسلام: التعليم في رأي القابسي

Genres

أن آلة الضرب هي الدرة أو الفلقة، «وينبغي أن يكون عود الدرة رطبا مأمونا.»

فهذه الشروط كلها تحيط الضرب بسياج من الأمن حتى لا يحدث للصبي ضرر، ولا يخرج الضرب عن معنى التأديب الموضوع له.

وفي هذه الشروط المقيدة للضرب مراعاة لمصلحة الصبي إلى أقصى الحدود، واقتصاد شديد في هذه العقوبة البدنية المرذولة. فالمعلم لا يلجأ إلى الضرب إلا بعد أن يستنفد جميع وسائل الوعظ والتنبيه والتهديد والتخويف. فإذا استحق الصبي الضرب بعد ذلك كله فلا بأس من الضرب. وإذا زاد على ثلاث ضربات فلا بد من استئذان ولي أمر الصبي.

هذه هي العدالة، ولكنها إلى الرفق أميل منها إلى الشدة.

ويلاحظ في هذه العقوبة التدرج من الرفق إلى الشدة. فقد أحيط الضرب بسياج من القيود تمنع أذى الصبي، ولا توقع به إلا الألم المقصود من التأديب.

هذا كله يبين لنا أن الضرب لم يكن يوقع على جميع الصبيان، وإنما على من يستحقه منهم. وهؤلاء هم الذين لا تجدي معهم وسائل التأديب الخلقية، وألوان الوعظ والإرشاد.

عقوبة الضرب التي ذكرناها عن القابسي لا تختلف في شيء عند غيره من المفكرين في الإسلام، لا قبل زمانه، ولا بعد عصره. فجميع المربين في الإسلام يقرون الضرب كما قرره القابسي، ويحيطونه بنفس القيود التي تخفف من وطأته . ولا غرابة في هذا فجميعهم - وهم المربون الفقهاء فقط - ينهلون من نبع واحد هو الحديث الوارد في ضرب الأولاد على الصلاة.

وقد أراد ابن خلدون أن يتحرر من مبدأ الضرب، فعاب الشدة على المتعلمين كما رأينا، ولكنه عاد في آخر الفصل الذي عقده فأجاز الضرب حيث نقل عن محمد بن أبي زيد في كتابه الذي ألفه في حكم المعلمين والمتعلمين: «لا ينبغي لمؤدب الصبيان أن يزيد في ضربهم إذا احتاجوا إليه على ثلاثة أسواط شيئا ... ومن أحسن مذاهب التعليم ما تقدم به الرشيد لمعلم ولده الأمين ... وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أباها فعليك بالشدة والغلظة.»

ونذكر ما نص عليه أحد الفقهاء وهو شمس الدين الإنبابي في وصف الضرب لترى معي أن الصورة لم تتغير عند المتأخرين عما كانت عليه عند المتقدمين. قال في كيفية ضرب الصبي: «أن يكون مفرقا لا مجموعا في محل واحد. وأن يكون في غير وجه ومقتل، وأن يكون بين الضربتين زمن يخف به ألم الأولى. وأن يرفع الضارب ذراعه لينقل السوط لا عضده حتى يرى بياض إبطه، فلا يرفعه لئلا يعظم ألمه، ولا يضعه عليه وضعا لا يتألم به.»

ويجب في السوط أن يكون معتدل الحجم، فيكون بين القضيب والعصا؛ وأن يكون معتدل الرطوبة، فلا يكون رطبا يشق الجلد لثقله، ولا شديد اليبوسة فلا يؤلم لخفته. ولا يتعين لذلك نوع بل يجوز بسوط وهي سيور تلوى، وبعود، وخشبة، ونعل، وطرف ثوب بعد فتله حتى يشتد.»

Unknown page