232

Taqwim

تقويم الأدلة في أصول الفقه

Investigator

خليل محيي الدين الميس

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1421 AH

Publisher Location

بيروت

شريعته أن الله لا ينسخ الكتاب بلسانه كي لا يظهر عليه ما يؤدي إلى مخالفة الكتاب سدًا لباب الطعن عليه. وأما النسخ السنة بالكتاب: فيحتج له بقوله تعالى: ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء﴾ [النحل: ٨٩] وإذا صار القرآن تبيانًا لكل شيء، والسنة شيء فيكون الناسخ بيانًا لحكم تلك السنة أنه كان غلطًا، كما لو نزل مقارنًا، وما يجوز ذلك إلا حين الوقوع لأن تصديقنا إياه كان يفترض علينا من جهة الله تعالى بعد التمكن فيصير أمره بعد القرار كأمر الله تعالى فلا يجوز الغلط بعد القرار. وما كان جائزًا أن يقر رسول الله ﷺ على خطأ، ولأن الله تعالى أمرنا في غير موضع من كتابه باتباع الرسول. وفي نزول الكتاب بخلاف السنة أمر بمخالفته إما حقيقة وإما ظاهرًا، فيكون فتحًا لباب الطعن على رسول الله ﷺ فسد الله تعالى هذا الباب إكرامًا لرسوله وصيانة لشريعته فلم ينزل كتابًا إلا مصدقًا لما بين رسول الله ﷺ، ولم ينطق رسول الله ﷺ إلا متبعًا لما في الكتاب مبينًا له أو زائدًا ما ليس فيه ليزداد علم ما في الكتاب برسول الله ﷺ وبيانه ويزداد ثبوت صدق رسول الله ﷺ ورسالته بتصديق الكتاب إياه. فتكون السنة مع الكتاب مما يتأيد كل واحد منهما بالآخر إذ كل واحد منهما حجة من حجج الله تعالى، وحجج الله تعالى لا تتناقض ولا تتراد بل تتأيد. وهذا كما قيل: أن الشرع حجة والعقل حجة من حجج الله تعالى، وإنهما لا يستدل بهما إلا على سبيل التعاون والتأييد على ما بيناه في آخر الكتاب. وأما علماؤنا ﵏ فمن مشايخنا من احتج عليهم بآية الوصية "للوالدين والأقربين" حيث نسخت بقوله النبي ﷺ "لا وصية لوارث". فإن قيل: إنما نسختها آية المواريث. قلنا: آية المواريث أوجبت لهم مالًا بسبب آخر، والإيجاب بسبب لا يرفع إيجابًا كان بسبب آخر قبله، ولأن آية المواريث توجب إرثًا بعد وصية أو دين فيوجب تقريرها ولا يوجب رفعها. فإن قيل: يحتمل أن الله تعالى أنزل آية أخرى ناسخه إلا أنها لم تبلغنا لأنها نسخت تلاوتها وبقى حكمها؟ قلنا: لا يجوز الإحالة إلى دلائل محتملة الثبوت لم تظهر، لأنه لو صح هذا الباب

1 / 240