Taqwim
تقويم الأدلة في أصول الفقه
Investigator
خليل محيي الدين الميس، مفتي زحلة والبقاع ومدير أزهر لبنان
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢١ هـ - ٢٠٠١ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
Genres
قالوا: وإذا قال لامرأته: أنت حرة ينوي طلاقها طلقت، لأن التحرير سبب لإزالة ملك المتعة فإن من اعتق أمته حرمت عليه فاستقام أن يكون مجازًا عن الطلاق الموضوع لقطع هذا الملك إلا أنه لا يصير كناية عنه إلا بالنية لأن المحل المضاف إليه هذا الوصف كان قابلًا لهذا الوصف على حقيقته فلا يكون مجازًا إلا بدلالة زائدة.
وإذا قال لأمته: أنت طالق ينوي عتاقًا لم يصح، لأن الطلاق لو تحقق لم يكن سببًا للعتاق فلم يكن بينهما اتصال بالسببية، ولا اتصال بينهما من حيث المعنى لأن العتاق عبارة عن قوة لذات الموصوف به، يقال: عتق الطير إذا قوي وطار عن وكره، فكذلك الشخص إذا قوي حكمًا حتى لم ينفذ عليه حكم الاستيلاء ولم يتملك بأسباب الملك بقوة دافعة أثبتها الله تعالى له نعمة وكرامة قيل عتق وإذا ضعف فصار عرضة للتمليك بأسباب الملك والاستيلاء ولم يقدر على الدفع قيل: رق، والطلاق لا ينبئ عن هذه القوة بل ينبنئ [ينبئ] عن رفع المانع عن استعمال قوة كانت من قولك: أطلقت فلانًا عن القيد فطلق، وأطلقت الدابة عن الوثاق فإن القيد ما يضعف الدابة ولكن يمنعها عن المشي فكان الطلاق لإزالة المانع عن استعمال قوة كانت فلم يبق بينهما اتصال معنى فما لإزالة المانع معنى العلة.
وإذا كان كذلك لم يثبت أحدهما بالآخر من حيث المعنى، وإنما يثبت بالسببية فيثبت بالعتاق الطلاق لأنه سبب لإزالة ملك المتعة متى ثبت بنفسه في محل المتعة ولا يكون الطلاق قط سببًا لإزالة ملك الرق وإن وجد فيه، وهذا كما تثبت العارية بالهبة إذا أضيفت إلى المنفعة ولا تثبت الهبة بالعارية لأنه لا اتصال بينهما معنى فإن أحديهما تغير صفة الذات فإن الملك ثابت للذات والأخرى صفة المنافع فالملك بالعارية يثبت فيها.
والمنفعة ليست بمعنى العين وما تحقيق المنفعة إلا العمل فلا تستقيم الاستعارة من حيث المعنى، ولكن من حيث السببية فاستقام من جانب ما هو سبب للآخر كالهبة للعارية ولم يستقم من جهة ما ليس بسبب كالعارية للهبة. ألا ترى أن ضد العتق الرق وضد الطلاق والنكاح والرق ما فيه معنى النكاح بوجه فإنه ينبئ عن ضعف حكمي يعجز به عن دفع نفوذ أسباب الملك عليه فيصير كالبهيمة، والنكاح لا ينبئ عن الضعف بل ينبئ عن ملك يثبت كرامة يتوصل به إلى اقتضاء الشهوات واستحداث النسل وإقامة مصالح المعيشة.
فلما لم يكن الرق بمعنى ملك النكاح لم يكن ما وضع لإزالة الرق بمعنى ما وضع لإزالة ملك النكاح ضرورة وما روي عن النبي ﷺ أنه قال: "النكاح رق" محمول على مجاز الرق لضرب ملك يثبت بالنكاح لا حقيقة.
1 / 125