Tanzih Sharica
تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة
Investigator
عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمد الصديق الغماري
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1399 AH
Publisher Location
بيروت
مَنْ هَذَا؟ فَإِنِّي قَدْ رُعِبْتُ مِنْهُ رُعْبًا شَدِيدًا قَالَ: لَا تَعْجَبْ أَنْ تُرْعَبَ مِنْهُ يَا مُحَمَّدُ، فَكُلُّنَا بِمَنْزِلَتِكَ مِنَ الرُّعْبِ هَذَا مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ، لَمْ يَتَبَسَّمْ قَطُّ وَلَمْ يَزَلْ مُنْذُ وَلاهُ اللَّهُ جَهَنَّمَ يَزْدَادُ كُلَّ يَوْمٍ غَضَبًا وَغَيْظًا عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ، لِيَنْتَقِمَ اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ وَكَلَّمْتُهُ فَأَجَابَنِي وَبَشَّرَنِي بِالْجَنَّةِ، قلت لَهُ منذكم أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَى جَهَنَّمَ؟ قَالَ: مُنْذُ خُلِقْتُ حَتَّى الآنَ، وَكَذَلِكَ حَتَّى السَّاعَةَ، قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مُرْهُ فَلْيَفْتَحْ بَابًا مِنْهَا فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ فَفَعَلَ فَخَرَجَ مِنْهَا لَهَبٌ سَاطِعٌ أَسْوَدُ مَعَهُ دُخَانٌ كَدِرٌ مُظْلِمٌ امْتَلأَتْ مِنْهُ الآفَاقُ وَسَطَعَ اللَّهَبُ فِي السَّمَاءِ لَهُ قَصِيفٌ وَمَعْمَعَةٌ فَرَأَيْتُ مِنْهُ هَوْلا فَاظِعًا وَأَمْرًا عَظِيمًا أَعْجَزُ عَنْ صِفَتِهِ فَكَادَ يُغْشَى عَلَيَّ وَتَزْهَقُ نَفْسِي، فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مُرْهُ فَلْيَرْدُدْهُ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ فَفَعَلَ، ثُمَّ جَاوَزْنَاهُ وَمَرَرْتُ بِمَلائِكَةٍ كَثِيرَةٍ لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلا اللَّهُ الَوْاحِدُ الْمَلِكُ الْقَهَّارُ، مِنْهُمْ مَنْ لَهُ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِعَدَدِهَا ثُمَّ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ فِي صَدْرِهِ وَفِي كُلِّ وَجْهٍ مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ أَفْوَاهٌ وَأَلْسُنٌ، وَهُمْ يَحْمَدُونَ اللَّهَ وَيُسَبِّحُونَهُ بِتِلْكَ الأَلْسُنِ كُلِّهَا فَرَأَيْتُ مِنْ خَلْقِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ لِلَّهِ أَمْرًا عَظِيمًا. فَجَاوَزْنَاهُمْ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ حَتَّى بَلَغْنَا بِقُوَّةِ اللَّهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَإِذَا خَلْقٌ كَثِيرٌ فَوْقَ وَصْفِ الْوَاصِفِينَ، يَمُوجُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ كَثْرَةً، وَإِذَا كُلُّ مَلَكٍ مِنْهُمْ مُمْتَلِئُ مَا بَيْنَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ وُجُوهٌ وَأَجْنِحَةٌ وَلَيْسَ مِنْ فَمٍ وَلا رَأْسٍ وَلا وَجْهٍ وَلا عَيْنٍ وَلا لِسَانٍ وَلا أُذُنٍ وَلا جَنَاحٍ وَلا يَدٍ وَلا رِجْلٍ وَلا عُضْوٍ وَلا شَعْرٍ إِلا يُسَبِّحُ اللَّهَ بِحَمْدِهِ وَيَذْكُرُ مِنْ آلائِهِ وَثَنَائِهِ بِكَلامٍ لَا يَذْكُرُهُ الْعُضْوُ الآخَرُ. رَافِعِينَ أَصْوَاتَهُمْ بِالْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَالتَّحْمِيدِ لَهُ وَعِبَادَتِهِ، لَوْ سَمِعَ أَهْلُ الأَرْضِ صَوْتَ مَلَكٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمَاتُوا فَزَعًا مِنْ شِدَّةِ هَوْلِهِ، قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلاءِ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلاءِ الْكُرُوبِيُّونَ مِنْ عِبَادَتِهِمْ لِلَّهِ وَتَسْبِيحِهِمْ لَهُ وَبُكَائِهِمْ مِنْ خَشْيَتِهِ خُلِقُوا كَمَا تَرَى لَمْ يُكَلِّمْ مَلَكٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ إِلَى جَنْبِهِ قَطُّ؛ وَلَمْ يَرَ وَجهه، وَلم يرفعوا رُؤْسهمْ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ مُنْذُ خُلِقُوا وَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى مَا تَحْتَهُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ خُشُوعًا فِي جِسْمِهِمْ وَخَوْفًا مِنْ رَبِّهِمْ، فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِمْ بِالسَّلامِ فَجَعَلُوا يَرُدُّونَ عَلَيَّ إِيمَاء برؤسهم وَلا يُكَلِّمُونَنِي وَلا يَنْظُرُونَ إِلَيَّ مِنَ الْخُشُوعِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ جِبْرِيلُ قَالَ: هَذَا مُحَمَّدٌ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ فِي الْعَرَبِ نَبِيًّا وَهُوَ خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وَسَيِّدُ الْبَشَرِ، أَفَلا تُكَلِّمُونَهُ؟ فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ جِبْرِيلَ وَذِكْرَهُ أَمْرِي بِمَا ذَكَرَ، أَقْبَلُوا عَلَيَّ بِالتَّحِيَّةِ وَالسَّلامِ فَأَحْسَنُوا بِشَارَتِي وَأَكْرَمُونِي وَبَشَّرُونِي بِالْخَيْرِ لأُمَّتِي، ثُمَّ أَقْبَلُوا عَلَى عِبَادَتِهِمْ كَمَا كَانُوا فَأَطَلْتُ الْمكْث عِنْدهم وَالنَّظَر إِلَيْهِم
1 / 158