Tanzīh al-Qurʾān ʿan al-maṭāʿin
تنزيه القرآن عن المطاعن
Genres
وربما قيل كيف يصح قوله (ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب) ومعلوم ان فيمن يريد حرث الدنيا من له نصيب في الآخرة. وجوابنا ان المراد من كانت إرادته مقصورة على حرث الدنيا لأن من هذا سبيله لا نصيب له في الآخرة وبين تعالى أنه لا يبخل عليه بما أراده من أمر الدنيا وان كانت هذه حاله وقوله من بعد (ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم) أحد ما يدل على أن من لم يتب من الظلمة سيعاقب لا محالة. ثم ذكر تعالى من بعد رحمته فقال (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون) وقوله تعالى من بعد (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض) يدل على انه لا يفعل إلا ما يبعث على الطاعة والعبادة فلذلك قال (ولكن ينزل بقدر ما يشاء) وقوله تعالى من بعد (وجزاء سيئة سيئة مثلها) فالمراد به الجزاء على السيئة وذلك مجاز مشهور في اللغة ولذلك قال تعالى بعده (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) والمراد بذلك من عفا عن السيئة ولم يقابل بمثلها ولا كافأ عليها ولذلك قال بعده (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) فبين أنه إذا انتصر وقد ظلم فلا سبيل عليه ولو كان ما فعله سيئة لما صح ذلك ولذلك قال بعده (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق) وبعث تعالى على الصبر فقال (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) وقوله تعالى (ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده) المراد من يضلله بالعقوبة وبالصرف عن الثواب فلا ولي له لأنه لا ناصر له وهذه حاله ولذلك قال بعده (وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل) فيتمنون الرجعة لكي يؤمنوا وعند ذلك بين الله عز وجل أن المؤمنين يقولون (إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) اذا عاينوا ما أنزل بهؤلاء الظالمين ولذلك قال بعده (ألا إن الظالمين في عذاب مقيم وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله) وقوله تعالى من بعد (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا) أحد ما يذكر في ان الرؤية على الله تعالى لا تجوز وإلا فقد كان أصح انه يكلم البشر على غير هذه الوجوه وربما قالوا في ذلك ما معنى قوله (إلا وحيا) وهل معناه غير ما ذكر في قوله (أو يرسل رسولا) وما معنى (أو من وراء حجاب) والحجاب على الله تعالى لا يجوز. وجوابنا عن الاول أن المراد على وجه الخاطر والالهام وقد يوصف ذلك بأنه وحي من الله. وعن الثاني بأن الحجاب في نفس الكلام يصح وان كان على الله تعالى لا يصح وقوله تعالى من بعد (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) أحد ما يدل على انه من قبل النبوة لم يكن مكلفا بشريعة ابراهيم ولا غيره ولا كان يعرف الايمان وقوله تعالى من بعد (يهدي به من يشاء من عباده) المراد به من يكلفهم دون غيرهم فلا يدل على انه تعالى هدى بعض المكلفين دون بعض ولذلك قال بعده (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) ومعلوم أنه هدى كل المكلفين.
Page 376