وربما تعلقوا بقوله تعالى (ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله) وقالوا يدل ذلك على أن جريه من فعل الله تعالى ليكون مضافا الى الله تعالى ولو لا ذلك لوجب أن يكون مضافا الى الملاح ولما صح أن يكون آية وقد قال تعالى (ليريكم من آياته) وجوابنا أن وجه الاعتبار في ذلك خلقه تعالى للماء في البحر على الصفة التي معها تجري السفن وخلقه الرياح على هذا الوجه ولو لا ذلك لما صح جريها بفعل العباد وفي ذلك آيات الله تعالى ونعمه لأنه لو لا ذلك لما صح التوصل الى قطع البلاد وجلب النعم وقوله تعالى (وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور) يدل على أن الجحد لا يكون من خلق الله تعالى إذ لو كان من خلقه لما صح أن يذمه هذا الذم العظيم وقوله تعالى من بعد (يا أيها الناس اتقوا ربكم) أي عقاب ربكم بالتحرز من المعاصي وقوله تعالى (واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق) من أقوى دلالة ما يدل على أن وعده ووعيده لا يجوز أن يقع فيهما خلف ومن أقوى ما زجر الله به عباده عن المعاصي فإذا تدبر المرء عند قراءته ما ذكرنا عظم انتفاعه بذلك؛ ولذلك قال بعده (فلا تغرنكم الحياة الدنيا) يعني بذلك متاعها (ولا يغرنكم بالله الغرور) زجر بذلك عن قبول كل قول يغر المرء ويصرفه عن التمسك بطاعة الله ثم بين تعالى ما يختص به عز وجل من العلم ولم يطلع العباد عليه بالادلة وان جاز أن يطلع أنبيائه على بعضه ليكون معزا لهم فقال جل من قائل (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ما ذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت) وفي ذلك دلالة على بطلان قول من يحكم أن أحكام المنجمين صحيحة فيما جرى هذا المجرى.
Page 327