وربما قيل في قوله تعالى (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) كيف يصح نقل عرشها من ذلك الموضع البعيد في هذا القدر من الاوقات وان ذلك معلومة استحالته؟ وجوابنا أن سرعة الحركة والتحريك لا يعلم منتهى حده فلا سريع الا ويجوز أسرع منه فلا يمتنع صحة ذلك اذا كان الله تعالى مقويا له عليه ومعنى قبل ان يرتد اليك طرفك المبالغة في الاسراع لان ذلك قد يقال في الامر السريع الشديد السرعة ويحتمل أن طرفه لا يرتد الا بعد اوقات ويكون ذلك كالمعلوم من حاله لأن من نظر الى جهة ربما أطال النظر اليها ثم يرتد طرفه ومعنى قوله من بعد في قصة لوط صلى الله عليه وسلم (أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون) الفائدة فيه إعظام ما فعلوه لأنه اذا كان جهرة فهو أعظم من أن يكون خفية ورب شيء يحسن خلوة ويقبح كونه بحيث يشاهد وما ذكره تعالى من بعد من قوله (قل الحمد لله وسلام على عباده) فيه تنبيه على عظم نعمة الله جل وعز لتدبر فيقام بحق شكره فذكر ما يقارب عشرين خصلة من النعم التي لا يقدر عليها غيره منبها على توحيده ثم قال في آخره (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) موبخا لهم على جحد ذلك ثم على قول الكفار (وقال الذين كفروا أإذا كنا ترابا وآباؤنا) فانه يقبح منهم هذا القول مع تقدم تلك الدلائل ومع قوله بعد ذلك (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين) وقوله (وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين) يدل على أن الحوادث كلها مكتوبة في اللوح المحفوظ ليستدل بذلك الملائكة على قدرة الله وعلمه.
[مسألة]
Page 304