وربما قيل في قوله تعالى (إذا رأتهم من مكان بعيد) تنزيه القرآن (19) (سمعوا لها تغيظا وزفيرا) كيف يصح ذلك في النار حتى توصف بأنها تراهم وهي جماد وحتى توصف بأن لها تغيظا وزفيرا وذلك لا يصح إلا في الحي الذي يغتاظ مما يرى؟ وجوابنا أن المراد بذلك التمثيل دون التحقيق فمن يقرب من الشيء يقال يراه وقد يشبه صوت النار عند التلهف بالزفير الذي يظهر من المغتاظ ويحتمل أنه تعالى ذكر إذا رأتهم وأراد خزنة جهنم فإنهم يغتاظون فيكون لهم من الزفير بعد علمهم بما يقتضي ظهور ذلك.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قل أذلك خير أم جنة الخلد) كيف يصح ذلك ولا خير في النار أصلا؟ وجوابنا ان المراد أيهما أولى بأن يكون خيرا وقد يقول الحكيم لغيره من العصاة ان التمسك بالطاعة خير لك من المعصية والمراد ما قد ذكرنا.
[مسألة]
وربما قالوا في قوله تعالى (ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر) وذلك خلاف قولكم. وجوابنا أن المراد أنه متعهم فاختاروا عند ذلك نسيان الذكر والمراد بهذا النسيان ترك الواجب لأن النسيان في الحقيقة من فعل الله تعالى فلا يجوز أن يذمهم عليه ولذلك قال تعالى بعده (وكانوا قوما بورا) وقوله تعالى (وقال الذين لا يرجون لقاءنا لو لا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا) أحد ما يدل على أنه تعالى لا يجوز أن يرى والا لم يصح أن يستعظم هذا القول منهم كما لا يجوز أن ينزل الملائكة بدلا من البشر لكن انزال الملائكة مقدور والحكمة تمنع منه والرؤية ليست مما يصح أصلا وفي قوله عز وجل (يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني) دلالة على أن المضل عن الدين ليس هو الله تعالى كما يقوله المجبرة.
Page 290