وربما قيل كيف يجوز أن يقول تعالى (فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) والله تعالى لا يغري بالعداوة ولا يبعث عليها. وجوابنا أن الله تعالى ذكر بني اسرائيل ووعدهم بشرط أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويؤمنوا بالرسول ثم قال (فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل) ثم قال (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم) ثم قال من بعد (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم) ثم قال (فأغرينا بينهم) لما لم يتمسكوا بالميثاق والمراد بذلك انه خلاهم عن الالطاف التي لو تمسكوا بطاعة الله لكان يفعلها بهم فلما لم يتمسكوا بها لم يكن ذلك اللطف لطفا لهم فجائز أن يقال أغرى بينهم وهذا كقوله تعالى (أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا) لما لم يلطف بهم وهذا كما يقال فلان يرسل كلبه اذا لم يمنعه وقد قيل ان ذم اليهود والنصارى على التثليث وذم النصارى لليهود على تكذيب عيسى مما يحسن فاذا أغرى تعالى بينهم في ذلك حسن وعلى هذا الوجه يحسن من أحدنا معاداة الكفار ويحسن من الكافر الذي يعبد الصنم معاداة المبتغى للشبهة معاداة عابد الصنم ومثل هذه المعاداة ربما تكون لطفا في التمسك بالحق.
[مسألة]
وربما سألوا في قوله تعالى (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام) فقالوا كيف خص هؤلاء بأن يهديهم بالقرآن.
وجوابنا لانهم اذا اختصوا بقبوله جاز أن يخصهم كما ذكرناه في قوله تعالى (هدى للمتقين).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه) ان ذلك يدل على أن ترك الكفر وفعل الايمان من قبل الله تعالى. وجوابنا أن الظاهر أن الكتاب الذي هو القرآن يخرجهم من الظلمات الى النور باذن الله ومعلوم انه لا يخرج في الحقيقة عن الكفر الى الايمان وإنما يقال ذلك لما كان سببا لإيمان الكافر فأما قوله باذنه فالمراد انه بأمر الله وعلمه وذلك صحيح لانه تعالى ألزم أمر الايمان.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) كيف يصح ذلك وليس في النصارى من يطلق ذلك. وجوابنا ان من يقول منهم بأن الله تعالى اتخذ المسيح فصار لاهوتا بعد ان كان ناسوتا وانه يحيي الموتى وانه يلزم عبادته فهو قائل بهذا القول في المعنى ولذلك قال تعالى بعده (وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم) فنبه بذلك على أن المراد ما ذكرناه.
[مسألة]
Page 113