بكونها صغائر قد خرجت من اقتضاء الذم والعقاب ومعلوم أن قلة الثواب غير منفرة ألا ترون أن الأنبياء (ع) قد يتركون كثيرا من النوافل مما لو فعلوه لاستحقوا كثيرا من الثواب ولا يكون ذلك منفرا عنهم قلنا إن الصغائر لم تكن منفرة من حيث قلة الثواب معها بل إنما كانت كذلك من حيث كانت قبائح ومعاصي لله تعالى وقد بينا أن الملجأ في باب المنفر إلى العادة والشاهد وقد دللنا على أنهما يقضيان بتنفير جميع الذنوب والقبائح على الوجه الذي بيناه وبعد فإن الصغائر في هذا الباب بخلاف الامتناع من النوافل لأنها تنقص ثوابا مستحقا ثابتا وترك النوافل ليس كذلك وفرق واضح في العادة بين الانحطاط عن رتبة ثبتت واستحقت وبين فوتها وأن لا تكون حاصلة جملة ألا ترى أن من ولي ولاية جليلة وارتقى إلى رتبة عالية يؤثر في حاله العزل عن تلك الولاية والهبوط عن تلك الرتبة ولا يكون حاله هذه كحاله لو لم ينل تلك الولاية ولا ارتقى إلى تلك الرتبة وهذا الكلام الذي ذكرناه يبطل قول من جوز على الأنبياء (ع) الصغائر على اختلاف مذاهبهم في تجويز ذلك على سبيل العمد أو التأويل إلا أن أبا علي الجبائي ومن وافقه في قوله إن ذنوب الأنبياء لا تكون عمدا وإنما يقدمون عليها تأولا ويمثل ذلك بقصة آدم (ع) فإنه نهي عن جنس الشجرة دون عينها فتأول فظن أن النهي يتناول العين فلم يقدم على المعصية مع العلم بأنها معصية قد ناقض فإنه إنما ذهب إلى هذا المذهب تنزيها للأنبياء (ع) واعتقاد أن تعمد المعصية يوجب كبرها فنزهه عن معصية وأضاف إليه معصيتين لأنه مخطئ على مذهبه في الإعراض عن تأمل مقتضى النهي وهل يتناول الجنس أو العين لأن ذلك واجب عليه ومخطئ في التناول من الشجرة وهاتان معصيتان وبعد فإن تعمد المعصية ليس يجب أن يكون مقتضيا لكبرها لا محالة لأنه لا يمتنع أن يكون مع التعمد يصاحبه من الخوف والوجل
Page 7